الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تقديم خدمات إلكترونية للكفار تعين على الحرام

السؤال

أنا أريد بإذن الله فتح شركة تصميم مواقع انترنت واستضافتها وتقديم الأنظمة البرمجية الجاهزة، وبحكم وضع السوق سيكون أغلب الزبائن من بلدان غير مسلمين ( ومقر الشركة في أوروبا مكان طلبي للعلم مضطرا) وعندي بعض الأسئلة:
1- بالنسبة للاستضافة، هل يجب علي منع غير المسلمين من وضع صور للنساء كاشفات شعورهن أو الموسيقى في مواقعهم، علماً أنه إذا كانت الإجابة نعم، فلن أستطيع إدراج هذا الشرط بسبب معايير قانونية واجتماعية في بلاد الكفر، مما سيضطرني إلى إلغاء خدمة الاستضافة كليا ( مع أن ربحها كبير ولكن الرزق من عند الله ولست بمبال).
2- هل يجوز لي تقديم الانظمة البرمجية التي قد تستخدم في الحلال أو الحرام ( لغير المسلمين في بلاد الكفر ) كبرامح منفصلة، لا أستطيع التأثير عليها بعد بيعها. أم أن الإسلام يلزمني ببيعها كاشتراكات حتى أقوم بدور الرقيب الديني السلفي على المواقع الأجنبية ومنعها في حال صدور مخالفة شرعية، وبهذا أخسر أنا المال ( والله الرازق ) وهم يكملون الحرام (وضع صورة شعر امرأة) مع شركات أخرى.
3- لتحصيل الأموال الالكترونية يتم التعامل مع شركات أمريكية، ولا يخفى على مطلع أن معظم كبريات شركات المصارف والنقد شركات صهيونية بغطاء أمريكي، هل يجوز لي التعامل معهم بسبب عدم وجود غيرهم في هذا المجال بحجة أنني لا أستطيع معرفة إذا كانت شركات حربية أم معاهدة.
4- هل يجوز لي العمل في شركة تصميم حلول إلكترونية بحيث أقوم أنا بالبرمجة للأجزاء غير المحرمة في البرنامج وهم (غير المسلمين/ فساق المسلمين) يقومون بالباقي.
الخلاصة: أفتونا جزاكم الله خيرا بما يوافق الكتاب والسنة، فبإذن الله لست مبالياً ولو عشت على الماء والخبز ما دام هذا يرضي الله ونسأل الله العافية، ولكن عند مراعاتي لأقل الحرمات الإسلامية التي لا ينظر إليها عند عامة المسلمين ( شعر المرأة ، الألحان ) فكيف عند غير المسلمين، سوف أقوم عاجلاً أم آجلاً بإغلاق الشركة بسبب عدم توفر زبائن "شرعيين" في هذا المجال. مما يلزمني التحول لأعمال أخرى تقليدية لا يقارن ربحها بالتجارة العالمية.
فهل هذا الذي أفعله تعنت وتشدد وعدم الترجيح بين المصالح والمفاسد، أم ماذا أفعل يا ترى؟
الرجاء الجواب على كل الأسئلة والله هو المثيب على جهودكم بارك الله فيكم وعدم إهمال بقية الأسئلة كما هو مكتوب فأنا كالمريض المضطر لا أجد دوائي إلا عندكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهنيئا لك بالحرص على تحري الحلال في الكسب، ونفيدك أنه لا يجوز لك أن تقدم للكفار أو العصاة أي خدمة تعين على الحرام؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكل وسيلة موصلة إلى محرم ومعصية تكون محرمة قطعاً، والله جل وعلا يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}

وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين في الكلام على تحريم وسائل المعاصي وسد الذرائع إلى المحرم: قال الإمام أحمد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة. ولا ريب أن هذا سد لذريعة الإعانة على المعصية، ويلزم من لم يسد الذرائع أن يجوز هذا البيع كما صرحوا به، ومن المعلوم أن هذا البيع يتضمن الإعانة على الإثم والعدوان، وفي معنى هذا كل بيع أو إجارة أو معاوضة تعين على معصية الله كبيع السلاح للكفار والبغاة وقطاع الطرق، وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤجره لذلك، أو إجارة داره أو حانوته لمن يقيم فيها سوق المعصية، ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه، ومن هذا عصر العنب لمن يتخذه خمرًا، وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمعتصر معًا ... انتهى.

والكفار مخاطبون بفروع الشريعة فلا يجوز للمسلم أن يبيع لهم أو يؤجر ما يستخدمونه في الحرام، فلا يجوز تمكينهم من وضع الصور العارية والموسيقى. وأما الأنظمة البرمجية فإن أمكنك مراقبتها وإيقاف ما استخدم منها في الحرام فلا حرج في معاملة الكفار فيها، وإلا فيحرم بيعها لمن غلب على الظن أنه سيستعملها استعمالا محرما.

وأما التعامل مع الشركات التجارية اليهودية فالأصل جوازها إن كانت لا تشتمل أعمالها على محظور شرعي كالمعاملات الربوية، وبيع أو صنع ما يحرم استعماله كالخمر والسلاح الذي يستخدم ضد المسلمين، ويدل لذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعملون بالأجرة مع اليهود ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيراً فقلت بأبي أنت، مالي أراك متغيراً، قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث، قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين لك يا كعب فأخبرته.... الحديث. رواه الطبراني وحسنه الألباني.

وأما برمجتك لأجزاء غير محرمة فان كانت تستخدم بنفسها استخداما مباحا ولكنه يمكن تطويرها حتى تستخدم في الحرام فانه يجوز عملها وبيعها بشرط أن لا يغلب على ظنك أن مشتريها سيطورها ويستخدمها في الحرام.

وليعلم الأخ السائل أن ما عند الله من الرزق لا يطلب بمعصية، وما طلب ما عند الله تعالى بأفضل من طاعته والتزام أمره. قال تعالى: وَمَن يتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. {الطلاق:2-3}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.

وإن لم تتمكن من القيام بمشروع سليم من المحاذير الشرعية، فالواجب البعد عن المكاسب المحرمة، ولك أن تستثمر في مجال آخر لا شبهة فيه ولا يحصل به شيء من المحرمات، فالمكاسب المباحة كثيرة، ومن أحسنها البيع المبرور وعمل اليد، فقد سئُل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد وصححه الألباني.

وفي الحديث: ما أكل أحد طعاماً خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري.

وفي الحديث: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وحسنه الألباني.

وفي الحديث: ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار وصححه الألباني.

وفي الحديث: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقو الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم. رواه ابن ماجه.

وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 54828، 20169، 54504.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني