الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطلاق على الإبراء وهل يحتسب الخلع من الطلقات الثلاث

السؤال

هل قرأت فضيلتك السؤال الموجود في الفتوى رقم: 136214، فقد لاحظت أن أجزاء من الإجابة تختلف عما سألت عنه، فمن فضلك اقرأ الآتي بدقة ورد على كل سؤال على حده:
1ـ بعد أن تم الطلاق على الإبراء على يد مأذون لو تلفظت بأي ألفاظ صريحة للطلاق أثناء الحديث مع من يناقش الموضوع معي، فهل تلحق بها هذه الطلقات أم لا؟ وعلى ما فهمت ليس طلاقا رجعيا وبالتالي، لا تلحق بها هذه الألفاظ ـ حتى لو كانت في عدتها ـ لأنني لا أملك مراجعتها، أليس كذلك؟.
2ـ هي لها عدة ـ كما ذكرت فضيلتك ـ وليس لها أن تتزوج غيري قبل نهاية عدتها، لكن هذه العدة تختلف، لأن الطلاق تم على الإبراء وبالتالي، أنا لا أملك مراجعتها ـ إذن ـ ومهما طلقتها أثناء عدتها لا يلحق بها شيء من هذه الطلقات ولي أن أعقد عليها أثناء عدتها وليس لغيري ذلك، فهل هذا صحيح؟.
3ـ الصيغة التي قلتها وهي: أنت طالق مني على ذلك ـ فهل عند ابن تيمية تعتبر خلعا ولا تحسب من الطلقات بالرغم من أنها لفظ طلاق صريح؟ أم أن مردها للنية؟ فلم أكن أعلم أن موضوع النية من الممكن أن يجعلها طلاقا أو خلعا ولم أكن أريد الطلاق أصلا، وإنما أجبرت عليه، فهل عند أحد من الفقهاء رأي قوي يمكن الأخذ به من أن النية ليس لها دخل ويعتبر ذلك خلعا أو فسخا دون النظر إلى النية، ولا تحسب من الطلقات؟.
4ـ ما تسلمته من مقدم المهر ـ أثاث للمنزل ونصف مؤخر الصداق ومبلغ تقديرى لنفقة ثلاث أشهر العدة ـ أي أنها لم تأخذ نصف مؤخر الصداق ولا نفقة المتعة، بالرغم من أنها قالت أبرأتك يا زوجي من مؤخر صداقي ونفقة عدتي، ونفقة متعتي وجميع حقوقي الشرعية وأسألك الطلاق على ذلك، فهي تسلمت بعض الأشياء ولم تتسلم الباقي، حيث إننا جاملناها وأعطيناها ما ذكرته في أول هذه الفقرة بالرغم من أنها قد قالت الصيغة السابقة، حيث إننا اتفقنا على ما ستأخذه قبل أن يحضر المأذون، فهل تسلمها أكثر مما قالته عند الإبراء يجعل الطلاق على الإبراء صحيحا ـ كالطلاق على الإبراء؟ وعلى قول ابن تيمية لا تحسب من الطلقات، وكذلك إذا تلفظت بألفاظ الطلاق الصريحة قبل أن يمضى ثلاث قروء لا تلحق بها، لأنها ليست زوجة؟
5ـ المعمول به في القضاء عندنا أن الطلاق على الإبراء يعد طلاقا ويحسب من عدد الطلقات، لكن إذا طلق الزوج امرأته الطلاق الثالث، فهل له أن لا يسجله ويأخذ بقول ابن تيمية أن الطلاق على الإبراء لا يحسب من عدد الطلقات؟ وإذا كانت الطلقة الأولى تمت على الإبراء، فهل يعتبر الثالث هو الثاني وله أن يراجعها في العدة أو يعقد عليها إذا مضت العدة؟.
من فضلك تقبل اعتذاري إذا كنت أتعبتك في الإجابة على هذه النقاط.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجوابا على اساتفساراتك نقول :

1ـ الطلاق على الإبراء طلاق بائن، فإذا كنت قد طلقت زوجتك على الإبراء، فلا يلحقها طلاق بعد ذلك عند جمهور العلماء ـ صريحا كان الطلاق أو غير صريح ـ قال ابن قدامة: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ بِحَالٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ, وَالْحَسَنُ, وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَاجِهَهَا بِهِ, فَيَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَا يُوَاجِهَهَا بِهِ, مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ.

هذا إذا كان المقصود بالكلام الذي تتلفظ به إنشاء الطلاق، أما إذا كان المقصود أنك تتكلم حاكيا الطلاق أو مخبرا عن طلاق سابق، فهذا لا يقع به الطلاق ـ ديانة ـ ولو قبل البينونة، وانظر الفتوى رقم: 117990.

2ـ أما بخصوص العدة: فكما فهمت أنها لا يصح أن تتزوج غيرك قبل انتهاء العدة، وأنت لا تملك رجعتها بغير عقد جديد.

3ـ الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الخلع فسخ لا يحتسب من الطلقات ـ ولو وقع بلفظ الطلاق، أو نوى الطلاق ـ قال في الفتاوى الكبرى: ثُمَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ تَنَازَعُوا: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ؟ أَوْ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَنْوِيَ الطَّلَاقَ؟ أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ لَا يَنْوِيَهُ، وَهُوَ خُلْعٌ بِأَيِّ لَفْظٍ، وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ؟ عَلَى أَوْجُهٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، أَصَحُّهَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ، وَهُوَ: أَنَّ الْخُلْعَ هُوَ الْفُرْقَةُ بِعِوَضٍ، فَمَتَى فَارَقَهَا بِعِوَضٍ فَهِيَ مُفْتَدِيَةٌ لِنَفْسِهَا بِهِ، وَهُوَ خَالِعٌ لَهَا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ.

4ـ ما دام الطلاق قد وقع بشرط الإبراء، فهو طلاق بائن عند الجمهور، وهو المفتى به عندنا، وهو عند ابن تيمية فسخ، ولا يضر تنازلك لزوجتك عن شيء من صداقها أو غيره.

5ـ إذا أخذ الزوج بقول ابن تيمية في هذه المسألة، فلا حرج عليه أن يعمل بمقتضاه ولا يسجل الطلاق الثالث في المحاكم، لكن يجب أن يكون ذلك بناء على اطمئنانه لأن هذا القول هو القول الحق في المسألة وليس لمجرد تتبع الرخص ولو مع ظهور الدليل على خلاف الحكم، وانظر الفتوى رقم:5583.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني