الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يؤاخذ العبد بموت غيره إلا بمباشرة ذلك أو التسبب فيه إذا كان متعديا

السؤال

أشك في أنني تسببت في موت قريب لي وأسأل: هل علي إثم، أو كفارة؟ والقصة كالتالي:
اتصل عمي يسأل عن والدي فأخبرته بأن والدي غير موجود الآن ولم يخبرني بأنه مريض ويريد من أبي أن يأخذه إلى الطبيب ونسيت أن أخبر والدي بأن عمي سأل عنه، وفي اليوم التالي أخذ عمي الثاني أخاه إلى المستشفى وبعد ساعتين توفي عمي، وقال الأطباء بأنه لو جاء قبل يوم ما توفي، ولكنه تأخر، فهل أنا سبب موته مع أنني لم أكن أعلم بأنه يريد من أبي أن يأخذه إلى الطبيب، وأبي لم يكن فعلا في البيت، ولكنه عاد في وقت المغرب؟ وكيف أتخلص من عذاب الضمير الذي أتعبني كثيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فرحم الله عمك وجميع موتى المسلمين، وأما أنت ـ أيها السائل ـ فلم تكن سببا في موته ولم تباشر ذلك، والمرء لا يؤاخذ بموت أحد إلا بمباشرة ذلك، أو التسبب فيه إذا كان المتسبب متعديا، فهون على نفسك ولا تحملها ما لا دخل لها فيه، فإن المتوفى لم يمت إلا بعد أن استوفى أجله وأكمل عمره الذي قدر له قبل خلقه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها.

رواه أبو نعيم، وصححه الألباني.

وحرص المرء على الشيء وحذره من فواته لا يغير من القضاء شيئا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغني حذر من قدر.

رواه الحاكم، وحسنه الألباني.

واعلم ـ أخانا الكريم ـ أن الإيمان بقضاء الله وقدره هو السبيل لهداية القلب وسلامته بعد حدوث المصائب، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

{التغابن: 11}.

قال السعدي: هذا عام لجميع المصائب، في النفس والمال والولد والأحباب ونحوهم، فجميع ما أصاب العباد فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله تعالى وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة التي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل والأجر الجميل في الدنيا والآخرة، فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك وسلم لأمره، هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن ـ 1ـ لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها ـ2ـ والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب ـ3ـ كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ـ وعلم من هذا أن من لم يؤمن بالله عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء الله وقدره، بل وقف مع مجرد الأسباب، أنه يخذل، ويكله الله إلى نفسه، وإذا وكل العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلا الجزع والهلع الذي هو عقوبة عاجلة على العبد، قبل عقوبة الآخرة، على ما فرط في واجب الصبر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني