الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الإساءة للنصراني المسالم

السؤال

لنا زميل في العمل مسيحي وهو الوحيد والجميع مسلمون وبعض الموظفين يطهده ويحتقره مع أن مسالم ويحب الجميع، ومن الكلام بعض زملائنا له يجب عليك ـ رضيت أو لم ترض ـ أن تسلم، أو ترحل من هذا البلد المسلم لأنه لا مكان لكم عندنا واذهب إلى بلاد الكفار، مع العلم أنه من العائلات العريقة فأشفقت عليه وأخذت أدافع عنه من الظلم المحدق به من زملائنا وبعدها ذكر لي أحدهم أنني إذا دعمته فأنا كافر مثله فقلت لهم الحديث الشريف: انصر أخاك ظالما، أو مظلوما ـ فكان ردهم أن هذا الحديث لاينطبق على هذا الكافر، أرجو منكم أن ترشدوني فيما أفعل، لأن الموظف الآن في حالة نفسية سيئة ويفكر في ترك العمل ولا يجد من يعيله إذا ترك العمل.
ولكم مني كل الاحترام والتقدير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن الحال المذكورة في السؤال فيها من الخلط والخطإ جانب كبير، فهذا النصراني وإن كنا يجب أن نبغضه من قلوبنا لكفره وشركه، إلا أنه يجب علينا أن ننصفه ولا نظلمه ما دام مسالما، كما يجب أن تكون دعوته إلى الإسلام بالحسنى لا بالتنفير والتعسير، قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. {الممتحنة: 8}.

والعلاقة بين المسلم وغيره يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية الحكيمة، وأساس هذه العلاقة ـ إذا كانوا مسالمين غير محاربين ـ العدل معهم والإنصاف لهم ودعوتهم إلى الدين الحق بقدر المستطاع، فإن بغضهم لا يعني عدم البر والقسط إليهم، كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها:47321، 33950، 28155.

وراجع في الرؤية الشرعية للإحسان لغير المسلمين الفتاوى التالية أرقامها: 19652، 23035، 110926. ومما ينبغي التنبه له أن المسلم ليس بالطعان ولا باللعان، ومخاطبة الناس كافة ـ مسلمهم وكافرهم عدا الحربيين منهم ـ يجب أن تكون على مقتضى قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا. {البقرة: 83}.

وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين رقم: 44668، ورقم: 42561.

كما سبق لنا بيان حرمة سبهم في الفتوى رقم: 138173.

وأما بالنسبة للسائل: فإنه وإن كان أصاب في موقفه من حيث الجملة، إلا إنه لم يصب في استدلاله بقول النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما، أو مظلوما. رواه البخاري.

فإنه هذا الحديث خاص بالمسلمين، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: انصر أخاك ـ أي المسلم. اهـ. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ليس المراد بهذه الأخوة إلا أخوة الإسلام. اهـ.

ولكن نصرة المظلوم مما أمرت به الشريعة وإن كان هذا المظلوم كافرا، وما يتعرض له هذا النصراني من قبل هؤلاء ظلم له وظلم للإسلام الذي يرتكب هذا الظلم باسمه.

والخلاصة: أن على السائل وزملائه أن يلتزموا بالضوابط الشرعية السابقة في معاملة هذا النصراني، وعليهم أن يتعاونوا في ما بينهم على دعوته إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، أما ما يفعلونه فهو من الصد عن سبيل الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني