الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم كتابة اسم الميت وتاريخ وفاته على قبره

السؤال

لقد نهي الإسلام عن البناء على القبر وتجصيصه والكتابة عليه، وقد سألني أحد الأشخاص ما المانع من كتابة اسم الشخص لمعرفة القبر؟ فإذا امتلأت المقابر بالموتى فالطريقة الوحيدة لمعرفة قبر الميت هو كتابة الاسم على لافتة صغيرة من غير إسراف ـ يعني من غير تجصيص، أو كتابة آيات قرآنية، بل اسم الميت وتاريخ الموت بالميلادي والهجري، فهل يجوز ذلك؟ وما الفائدة من نهي الإسلام عن ذلك؟ وهل هناك فائدة لمعرفة من هذا قبره؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الواجب على المسلم هو الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهى عنه ـ سواء فهم الحكمة أم لاـ فقد قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. {النور: 63}.وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.{الحشر: 7}.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والكتابة عليها، فقد أخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن جابر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه.وزاد الترمذي: وأن يكتب عليه. وفي لفظ للنسائي: نهى أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه.

ويمكن العدول عن الكتابة إلى تعليم القبر بحجر، أو خشبة، أو نحوهما، وهذا مباح باتفاق أهل المذاهب الأربعة بل قال الشافعية باستحبابه، لما روي: أنه لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته، فدفن فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه فحملها فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي.

والحديث أخرجه أبو داود، وحسنه ابن حجر في التلخيص.

وأما الكتابة: فقد ذهب الجمهور إلى كراهتها، للحديث السابق وجوزها الحنفية وابن حزم، قال النووى في المجموع: قال الشافعي والأصحاب: يكره أن يجصص القبر, وأن يكتب عليه اسم صاحبه، أو غير ذلك, وأن يبنى عليه, وهذا لا خلاف فيه عندنا, وبه قال مالك وأحمد وداود وجماهير العلماء, وقال أبو حنيفة لا يكره دليلنا الحديث السابق. اهـ.

وفي تحفة الأحوذي: قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: يحتمل النهي عن الكتابة مطلقا ككتاب اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته، أو كتابة شيء من القرآن وأسماء الله تعالى ونحو ذلك للتبرك، لاحتمال أن يوطأ، أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل.

قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك الإسناد صحيح وليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شيء أخذه الخلف عن السلف، وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه محدث ولم يبلغهم النهي. انتهى.

قال الشوكاني في النيل: فيه تحريم الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها. اهـ.

وقد جوز بعض العلماء الكتابة إن احتيج إليها في التعريف بصاحب القبر واقتصر على قدر الحاجة قياسا على التعليم بالحجر وجعلوه من تخصيص النص بالقياس، وقد عزى الشوكاني القول بذلك للهادوية، وفي فتاوى الهيتمي: أنه سئل عن كراهة الكتابة على القبور هل تعم أسماء الله والقرآن واسم الميت وغير ذلك، أو تخص شيئا من ذلك بينوه بما فيه؟ فأجاب بقوله: أطلق الأصحاب كراهة الكتابة على القبر لورود النهي عن ذلك رواه الترمذي وقال حسن صحيح، واعترضه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المحدث بأن العمل ليس عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ـ رضي الله عنهم ـ وما اعترض به إنما يتجه أن لو فعله أئمة عصر كلهم، أو علموه ولم ينكروه وأي إنكار أعظم من تصريح أصحابنا بالكراهة مستدلين بالحديث، هذا وبحث السبكي والأذرعي تقييد ذلك بالقدر الزائد عما يحصل به الإعلام بالميت، وعبارة السبكي: وسيأتي قريبا أن وضع شيء يعرف به القبر مستحب، فإذا كانت الكتابة طريقا فيه، فينبغي أن لا تكره إذا كتب بقدر الحاجة إلى الإعلام.

وعبارة الأذرعي: وأما الكتابة فمكروهة ـ سواء كان المكتوب اسم الميت على لوح عند رأسه، أو غيره ـ هكذا أطلقوه والقياس الظاهر تحريم كتابة القرآن سواء في ذلك جميع جوانبه، لما فيه من تعريضه للأذى بالدوس والنجاسة والتلويث بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة، وأما غيره من النظم والنثر فيحتمل الكراهة والتحريم للنهي، وأما كتابة اسم الميت فقد قالوا إن وضع ما يعرف به القبور مستحب فإذا كان ذلك طريقا في ذلك فيظهر استحبابه بقدر الحاجة إلى الإعلام بلا كراهة ولا سيما قبور الأولياء والصالحين، فإنها لا تعرف إلا بذلك عند تطاول السنين ثم ذكر ما مر عن الحاكم وقال عقبه: فإن أراد كتابة اسم الميت للتعريف فظاهر ويحمل النهي على ما قصد به المباهاة والزينة والصفات الكاذبة, أو كتابة القرآن وغير ذلك. اهـ.

وما بحثه السبكي من عدم الكراهة في كتابة اسم الميت للتعريف والأذرعي من استحبابها ظاهر إن تعذر تمييزه إلا بها، إلى أن قال: ويحمل النهي على غير ذلك، لأنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه وهو هنا الحاجة إلى التمييز فهو بالقياس على ندب وضع شيء يعرف به القبر. اهـ.

وفي شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين: والكتابة عليه فيها تفصيل: الكتابة التي لا يراد بها إلا إثبات الاسم للدلالة على القبر، فهذه لا بأس بها، وأما الكتابة التي تشبه ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب اسم الشخص ويكتب الثناء عليه وأنه فعل كذا وكذا وغيره من المديح، أو تكتب الأبيات، فهذا حرام، ومن هذا ما يفعله بعض الجهال أنه يكتب على الحجر الموضوع على القبر سورة الفاتحة مثلا، أو غيرها من الآيات، فكل هذا حرام، وعلى من رآه في المقبرة أن يزيل هذا الحجر، لأن هذا من المنكر الذي يجب تغييره. اهـ.

وأما الفائدة من النهي عن الكتابة: فقد ذكرنا كلام المباركفوري حيث علل ذلك باحتمال أن يوطأ، أو يسقط على الأرض فيصير تحت الأرجل، وعلله بعض العلماء بالبعد عن الغلو في صاحب القبر.

وأما الفائدة من معرفة صاحب القبر: فهي سلام أهله عليه ودعاؤهم له، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام.

رواه أبو عمر ابن عبد البر وصححه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني