الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حضور القلب عند ذكر الله تعالى ودعائه

السؤال

قرأت أن الدعاء يجب أن يقرن بالعمل، والذكر يجب أن يقرن بالعمل فما المقصود بالعمل هنا؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلعل المراد بالوجوب المذكور هو لزوم اقتران الدعاء والذكر بعمل القلب، وليس الوجوب الشرعي الذي يأثم المكلف بتركه، والمعنى أن يكون القلب حاضراً مستشعراً ما يأتي به اللسان من الأذكار ويردده من الدعوات، فإن الغفلة والإعراض بالقلب عن تدبر الدعاء والذكر واستحضاره قد تكون مانعاً من أن يؤثر أثره، وقد يكون المراد بهذا الكلام قرن الدعاء والذكر بالعمل الصالح، فلا يعمل بجوارحه من المعاصي ما قد يكون سبباً في عدم إجابة دعائه وحبوط عمله وعدم إثابته عليه.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً فإن السهم يخرج منه خروجاَ ضعيفاً، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها، كما في صحيح الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه.

فهذا دواء نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته، وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك. وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه: أصاب بني إسرائيل بلاء فخرجوا مخرجاً فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم إنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون إلي أكفا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوكم من الحرام الآن حين اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعداً. انتهى.

فما ذكرنا هو أحسن ما يمكن أن يحمل عليه هذا الكلام المذكور، ومع هذا نقول الدعاء والذكر بغير حضور القلب خير من تركهما بالكلية فالحذر من أن يجعل الشيطان عدم الحضور حجة للدعوة إلى ترك الذكر بالكلية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني