الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في قضاء الصوم والكفارة

السؤال

لقد اطلعت على كثير من الفتاوى حول الصيام وقضائه وكفارته، ورأيت اختلافا كثيراً في آراء العلماء فضلا عن ما ينقله الدعاة عنهم، واحترت أشد الحيرة في من آخذ بقوله لتكفير أو قضاء ما علي من صيام رمضان، وكثير من المسلمين عندنا لا يفقهون قولا في ما معنى القضاء والكفارة نظراً للجهل المتفشي في الأحياء عندنا، وحتى يتسنى تبليغ العلم لذوي الأفهام وبثه في قلوب الرجال سألتكم بالله أن أبلغ عنكم ما تواتر على أفهامهم من الفهم السيء والرديء لأحكام الدين، وهي قول البعض منهم ما معنى قضاء رمضان؟ وكيف يتم؟ وما معنى الكفارة؟ وكيف تتم؟ ثم الحكم فيمن أفطر عمدا بأكل وشرب دون جماع؟ وحكم من أفطر بأكل وشرب وجماع؟ وحكم من أفطر بالجماع فقط, فقد حدث في المسألة الأخيرة اختلاف كثير في أقوال السلف الصالح، ولا أدري بأي القول أقتدي؟ ومن هو ذو القول الحسن؟ وأي القول أرده ولا آخذه بعين الاعتبار. الرجاء الإفادة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقضاء الصيام معناه أن يصوم الإنسان ما فاته من الصيام الواجب كصيام رمضان أو صيام نذر معين لم يصمه، والكفارة ما أمر به العبد وجعله الله تعالى سبباً في تكفير الذنب كالصدقة والصيام والعتق.

جاء في الموسوعة الفقهية: ... والكفارة: ما كفر به من صدقة أو صوم أو نحو ذلك... انتهى.

وكيفية قضاء رمضان هي أن يصوم الإنسان أياماً بعدد ما فاته من أيام رمضان بنية أنه عن رمضان، فمن فاته من رمضان صيام عشرة أيام مثلاً فإنه يصوم بعد رمضان عشرة أيام بنية أن تكون عوضاً عن تلك الأيام وهكذا.. ومعنى الكفارة في صيام رمضان أن يفعل من لزمته الكفارة واحداً من ثلاثة أمور على الترتيب، أولها: عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعيين، فإن لم يستطيع أطعم ستين مسكيناً، فإن لم يستطع سقطت عنه الكفارة في قول الحنابلة وثبتت في ذمته عند الجمهور، على تفصيل ذكرناه في الفتوى رقم: 125407.

وأما من أفطر بأكل أو شرب أو جماع فالحكم فيه أن العلماء اتفقوا على أن من أفطر عمداً بجماع لزمته الكفارة سواء أكل وشرب بعد الجماع أم لا، وأما من أفطر عمداً بغير الجماع سواء بالأكل أو الشرب أو بكليهما فلم يختلفوا في وجوب القضاء عليه، واختلفوا في وجوب الكفارة عليه، وقد قدمنا شيئاً من أقوالهم وأدلتها في الفتوى رقم: 13076 ولعل القول الراجح في ذلك أنه لا تجب الكفارة بالفطر بغير جماع لأن النص بوجوب الكفارة ورد في الجماع، ولا نص ولا إجماع على وجوبها بغير الجماع، ولا يمكن قياس الأكل والشرب على الجماع لوجود الفارق.

جاء في الموسوعة الفقهية عند ذكر أقوال الفريقين وأدلتهما: القول الأول: وجوب الكفارة بتعمد الأكل والشرب ونحوهما في نهار رمضان وإليه ذهب الحنفية، والمالكية، وبه قال عطاء والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور. واستدلوا بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره عليه الصلاة والسلام أن يعتق رقبة. وبما روي من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من أفطر في رمضان متعمداً فعليه ما على المظاهر. ووجه الدلالة من هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الحديث الأول من أفطر في نهار رمضان أن يعتق رقبة دون أن يفرق بين إفطار وإفطار، وجعل جزاء الفطر متعمداً في الحديث الثاني جزاء المظاهر مطلقاً، والمظاهر تجب عليه الكفارة، فتجب على كل من أفطر بأكل أو بغيره، وقالوا: إن الكفارة تتعلق بالإفساد لهتك حرمة الشهر على سبيل الكمال لا بالجماع، لأن المحرم هو الإفساد دون الجماع، ولهذا تجب عليه بوطء منكوحته ومملوكته إذا كان بالنهار لوجود الإفساد، لا بالليل لعدمه، بخلاف الحد، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام جعل علة لها بقوله: (من أفطر في رمضان...) الحديث، فبطل القول بتعلقها بالجماع، ولا نسلم أن شهوة الفرج أشد هيجاناً ولا الصبر عن اقتضائه أشد على المرء، بل شهوة البطن أشد، وهو يفضي إلى الهلاك، ولهذا رخص فيه في المحرمات عند الضرورة لئلا يهلك، بخلاف الفرج، ولأن الصوم يضعف شهوة الفرج، ولهذا أمر عليه الصلاة والسلام العزب بالصوم والأكل يقوي شهوة البطن فكان أدعى إلى الزاجر.

القول الثاني: عدم وجوب الكفارة بتعمد الأكل والشرب ونحوهما في نهار رمضان وإليه ذهب الشافعية والحنابلة، وبه قال سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين وحماد وداود. واستدلوا بأن الأصل عدم الكفارة إلا فيما ورد به الشرع، وقد ورد الشرع بإيجاب الكفارة في الجماع، وما سواه ليس في معناه، لأن الجماع أغلظ، ولهذا يجب به الحد في ملك الغير، ولا يجب فيما سواه فبقي على الأصل، وإن بلغ ذلك السلطان عزره، لأنه محرم ليس فيه حد ولا كفارة، فثبت فيه التعزير، كالمباشرة فيما دون الفرج من الأجنبية وبأنه أفطر بغير جماع، فلم يوجب ذلك الكفارة، كبلع الحصاة أو التراب، أو كالردة عند مالكٍ، ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع ولا يصح قياسه على الجماع، لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس، والحكم في التعدي به آكد ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً، ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته ووجوب البدنة، ولأنه في الغالب يفسد صوم اثنين بخلاف غيره... انتهى.

والحديث الذي استدل به المالكية والحنفية: من أفطر... فعليه ما على المظاهر. قال عنه الزيلعي في نصب الراية غريب بهذا اللفظ ولم أجده، ونحن لم نجد له ذكراً أيضاً بهذا اللفظ، ومن أفطر نسياناً فلا شيء عليه على القول الصحيح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 25127.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني