الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من تطوع بنفقة لا تلزمه فهل يحق له الرجوع فيها

السؤال

كنت أسكن مع ثلاثة شباب، لأنني أعمل في غير مدينتي وخلال فترة السكن كان منهم من يحضر أصدقاء، أو أقارب ليسكنوا فترة من الوقت حتى يدبروا أمرهم في ما بعد، ولكن هذه الفترة تطول من ثلاث إلى أربعة أشهر ولم أكن أقبل أن يدفعوا تكاليف المعيشة حتى لا يعتبروا أنفسهم يسكنون بشكل مستمر وأيضا كانوا يحضرونهم بحجة أنهم ضيوف ليطلبوا مني لاحقا أن أقبل أن يسكن معنا وكنت لا أقبل هذا التصرف من هذا الشاب الذي يحضرهم وكانت تحصل مشاكل كثيرة بيننا، ولأنهم لا يشعرون بأهمية المحافظة على ثبات العدد في السكن لم ينكروا ذلك على بعضهم ويعتبرونه أمرا عاديا ولا مهرب منه، وعندما زاد الأمر عن حده كثيرا اضطررت أن أمتنع عن دفع ما يترتب علي من مصاريف لعدة أشهر وقلت لهم أن يعتبروني ضيفا مثلما يحضرون زملاءهم وعندما شعروا بتأثير ذلك عليهم قالو لي إنهم لن يسامحوني وقال لي أحد الشباب إنه دفع جزءا مما يترتب علي وإنه لن يسامحني بذلك فقلت له لماذا تدفع هذه الزيادة أنا لم أطلب منك أن تدفع عني؟ ولماذا تقبل ذلك وأنت ترى سبب المشكلة ولا تنكر ذلك؟ هذه حالة، فما حكمها؟.
الحالة الثانية وهي تشبه ما قبلها: وهي أن أحد الشباب كان عقد الإيجار باسمه وعندما أراد الخروج من السكن أحضر صديقا له بحجة أنه ضيف حتى يدبر أمره وعندما وجدني لا أقبل قال لي إن له الحق، لأن عقد الإيجار باسمه واعترضت عليه ولم يقبل وقلت له إنك تريد الخروج وأنا أحضر من أراه مناسبا لي وأن عقد الإيجار لا توجد له أهمية في ذلك، وعندما حضر هذا الشاب الجديد حول عقد الإيجار باسمه وأصبح يجعل نفسه حرا فيما يتصرف وقلت للشاب الجديد إنه لا شرعية لك وأنك دخلت السكن من دون إذن, وعندما قررت الخروج من السكن قام الشخص الجديد بدفع إيجار البيت وبقية الشباب ودفع ما يترتب علي من نفقات وطالبني بها فقلت له لماذا دخلت السكن من غير إذني وأنت تطالبني بأن أدفع لك؟ ومن قال لك أن تدفع عني؟ لأنه لا شرعية لوجودك أصلا وكنا في ذلك الوقت أنا والشاب الجديد والذي أراد الخروج من السكن وشاب آخر يعتبر أن ما يحصل لا يعنيه، وتركت السكن ولم أدفع له، فما حكم ذلك؟ وانفصلت عنهم بمشاكل من دون مسامحة مني، أو منهم مع أنني لا أحب أكل حق أحد ولكن فعلت ذلك حتى أسترد ما عانيته من مشاكل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن الواضح أن السائل لم يكن يجب عليه أن ينفق على هؤلاء الأضياف خلال هذه المدة الطويلة ولا أن يشارك في النفقة عليهم، لأنهم أولا ليسوا أضيافه هو، وثانيا لأن الضيافة الواجبة لا تزيد على ثلاثة أيام، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 35629، ورقم: 111083.

والقاعدة أن ما ينفقه المرء من نفقة لا تلزمه شرعا إذا أنفقه بقصد التطوع، فليس له حق الرجوع فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء. رواه البخاري ومسلم.

وأما إذا أنفق بنية الرجوع فإن له أن يرجع به إذا أثبت ذلك ببينة من إشهاد، أو إقرار المدعى عليهم، وراجع ذلك في الفتوى رقم: 114540.

والذي فهمناه من سؤالك أن ما شاركت به في النفقة على معيشة هؤلاء الأضياف لم تنو به الرجوع، بل ظاهر السؤال أنهم عرضوا دفع تكلفة معيشتهم ورفض السائل ذلك، كما يدل عليه قوله: لم أكن أقبل أن يدفعوا تكاليف المعيشة ـ وعلى ذلك فليس لك الحق في المطالبة بهذه النفقة بعد ذلك، وبالتالي فلا وجه للمقاصة بين ذلك وبين ما يجب عليك من النفقة وأجرة السكن، فتبقى هذه الأمور دينا مستقرا في ذمتك يجب عليك أن تؤديه لصاحبه، ولا يتغير هذا الوجوب بسبب إتيان صاحبك بصديقه وتغير عقد الإجارة باسمه ليسكنه مكانه، فقد كان بوسعك أن تترك هذا السكن بمجرد أن يحصل ذلك، ولكنك بقيت وانتفعت بالسكنى والنفقة فوجب عليك أن تؤدي ما عليك من الحق، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء: 29}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني