الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزنا.. أسبابه.. قبحه.. وعقوبته

السؤال

الخيانة الزوجية، أو الزنا من أين تبدأ بالنسبة للزوج؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبه أولاً إلى أن التعبير عن زنا الزوج بالخيانة الزوجية قد يوحي بأن هذه الجريمة إنما تستبشع من حيث كونها خيانة للزوج، وذلك مفهوم مخالف للشرع والفطرة السليمة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 15726.

واعلم أن الزنا من أفحش الذنوب ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله، وإذا كان من محصن فهو أشد إثماً وأعظم جرماً، فعقوبة الزاني المحصن في الدنيا الرجم بالحجارة حتى الموت، ولو أنك تأملت في هذه العقوبة وتلك القتلة التي اختارها الشرع للزاني المحصن مع أن الشرع قد أمر بإحسان القتلة ولو لكافر، بل ولو لأخس حيوان مأذون في قتله، فإذا تأملت ذلك بالإضافة إلى ما أعده الله للزناة في الآخرة من عذاب وخزي، علمت فداحة تلك المعصية وبشاعة تلك الجريمة، قال ابن القيم ـ رحمه الله: فأما سبيل الزنى فأسوأ سبيل ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ثم يعودون إلى موضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة، كما رآهم النبي في منامه، ورؤيا الأنبياء وحي لا شك فيها، ويكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله.

وأما عن مبادئ هذه الفاحشة وأسباب الوقوع فيها من الزوج - أو غيره - فاعلم أن الشرع قد حرم كل ما يفضي إلى الزنا ويدعو إليه، فجعل لتعامل الرجال مع النساء الأجانب حدوداً تحقق العفة وتصون الأعراض وتحافظ على طهارة القلوب، فالخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية حرام، والحديث بينهما لا يكون إلا للحاجة والمصلحة المعتبرة شرعاً في حدود الاحتشام والجدية والبعد عن كل ما يثير الفتنة من الخلاعة والليونة وإزالة الكلفة، وأمر الله المرأة بالحجاب كما أمر بغض البصر، فإن إطلاق البصر إلى النساء من أعظم أسباب الوقوع في الفاحشة، قال ابن القيم: وأمر الله تعالى نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدماً على حفظ الفرج، فإن الحوادث مبدأها من النظر، كما أن معظم النار مبدأها من مستصغر الشرر.

وقال الدهلوي: اعلم أنه لما كان الرجال يهيجهم النظر إلى النساء على عشقهن والتوله بهن، ويفعل بالنساء مثل ذلك، وكان كثيراً ما يكون ذلك سبباً لأن يبتغي قضاء الشهوة منهن على غير السنة الراشدة، كاتباع من هي في عصمة غيره، أو بلا نكاح، أو غير اعتبار كفاءة -والذي شوهد في هذا الباب يغني عما سطره في الدفاتر- اقتضت الحكمة أن يسد هذا الباب.

وقال في موضع آخر: اعلم أن شهوة الفرج أعظم الشهوات وأرهقها للقلب موقعة في مهالك كثيرة، والنظر إلى النساء يهيجها، والشيء إذا عولج قبل تمكنه زال بأدنى سعي.

وراجع في فوائد غض البصر وثمراته الفتوى رقم: 78760.

ومن أعظم أسباب الوقاية من الوقوع في الفاحشة صدق الاعتصام بالله والاستعانة به والتوكل عليه في صرف الفتن عن القلب، قال تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {يوسف:33}.

فإذا حافظ الزوج على تلك الحدود واعتصم بالله كان بعيداً - بإذن الله - عن الوقوع في الفاحشة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني