الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى وجوب الجمعة على المقيم غير المستوطن

السؤال

إخواني في الله ، نحن طلاب نعيش في أقصى شرق الصين - في مدينة قريبة لروسيا، وهي مدينة باردة جدا في أيام الشتاء، وتصل درجة البرودة -33 درجة مئوية، هناك مسجد أو اثنان في المدينة وهي بعيدة جدا منا. وقد يأخذ نصف ساعة بالباص، وتقريبا 15 دقيقة بالتاكسي، وهناك حصص قبل وبعد صلاة الجمعة، فالوقت لا يكفي للذهاب هناك والرجوع، فلذلك قمنا بعمل اتحاد طلاب مسلمين، وقمنا باستئجار شقة صغيرة، وجمعنا مبلغ الإيجار من بيننا نحن الطلاب، ونحن الآن نؤدي صلاة الجمعة في صالة الشقة والحمد لله، وعندنا خطط لنصلي فيه الصلوات الخمس، وجعله مركزا لتعلم الدين وما إلى ذلك. ولكن توجد بعض الاستفسارات:
الأمر الأول: أن عددنا لا يصل إلى أربعين طالبا، وكما سمعنا بأنه لا يجوز صلاة الجمعة بدون 40 شخصا فماذا نفعل؟ ويقول بعض الطلاب بأن هذا الأمر لا يجوز لأنه صلاة الجمعة تكون في المسجد فقط، وليس في شقة.
والأمر الثاني: أنه بدل أن نجتمع هنا ونصلي الجمعة يفضل أن نكون مع المسلمين الصينيين في المسجد، ونأمرهم بالمعروف، ونختلط معهم، ونعلمهم علوما دينية كثيرة يفتقدونها ، فهل هذا صحيح؟ وهل إذا جعلنا لنا مكانا يبعد عن المسلمين يعتبر ابتعادا عن المسلمين.
الأمر الثالث: هو أن الصين كما نعلم دولة شيوعية، ولا تقبل بالتجمعات الدينية، والجامعة التي ندرس فيها كذلك ترفض هذا الأمر، وهم الآن لا يعلمون بهذا الشيء، والله وحده أعلم ما سيفعلون إذا علموا، ولكن نحن لا نخاف في الله لومة لائم ، ولكن السؤال هل حرام أن نخبئ هذا عن الدولة، لأنه كما نعلم يجب اتباع شرع الدولة ؟؟؟ جميع الطلاب ينتظرون معي إجابتكم على هذه الاستشارة. جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالذي نرى ألا تقيموا الجمعة في الشقة المشار إليها، وأن من قدر منكم على إتيان المسجد الذي تقام فيه الجمعة للصلاة مع المسلمين فذلك واجب عليه، ومن عجز عن ذلك لخوفه ضررا يلحقه في نفسه أو ماله أو معيشة يحتاجها فلا حرج عليه في التخلف عن الجمعة. وإنما قلنا إنه ليس لكم أن تقيموا الجمعة؛ لأن أكثر أهل العلم اشترطوا في من تنعقد به الجمعة أن يكونوا مستوطنين في البلد لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء، وأما المقيم غير المستوطن فلا تنعقد به الجمعة، وإن كانت واجبة عليه إذا وجد في البلد من تنعقد بهم الجمعة، قال الموفق رحمه الله في المغني: فَأَمَّا الِاسْتِيطَانُ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي قَرْيَةٍ، عَلَى الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا عَلَى مُقِيمٍ فِي قَرْيَةٍ يَظْعَنُ أَهْلُهَا عَنْهَا فِي الشِّتَاءِ دُونَ الصَّيْفِ، أَوْ فِي بَعْضِ السَّنَةِ. انتهى.

وانعقاد الجمعة بالمقيم غير المستوطن وجه عند الشافعية، لكن الأصح عندهم كما ذكر النووي عدم الانعقاد. وبناء عليه فإنكم إن أقمتم الجمعة والحال أنكم مقيمون لا مستوطنون لم تصح جمعتكم عند أكثر العلماء، ويؤيد ما ذكرنا من أنكم لا تقيمون الجمعة الخروج من خلاف من شرط أربعين فصاعدا لانعقاد الجمعة وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ويؤيده أيضا ما يخشى من لحوق ضرر بكم إذا اطلعت سلطات تلك البلد على مخالفتكم لقوانينها، مع ما في حضوركم مع مسلمي تلك البلد من المصالح العظيمة من تكثير عددهم وتعليمهم ما قد يخفى عليهم، وفي ذلك أيضا مراعاة للأصل وهو عدم جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد لغير حاجة. والخلاصة أن من أمكنه منكم حضور الجمعة فذلك واجب عليه، ومن كان له عذر في التخلف عنها فلا حرج عليه في أن يتخلف عن الجمعة، وأما إقامتكم الجمعة على الوجه المذكور فلا نراه لما قدمنا من الوجوه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني