الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل خلق الله الخلق دفعة واحدة؟

السؤال

هل خلق الله سبحانه وتعالى كل الكائنات دفعة واحدة؟ أم ظهرت أنواع ثم تطورت وهكذا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالقول بأن الله تعالى خلق الخلق دفعة واحدة قال به بعض أهل البدع ممن تأثر بالفلاسفة وسلك مسلكهم في الإلاهيات، وقد نسبه الشهرستاني في الملل والنحل إلى إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام زعيم الطائفة المعروفة بالنظامية، وهم شر طوائف المعتزلة فيما ذكر أهل العلم حتى قال بعض العلماء ـ وهو السمعاني في الأنساب ـ عن النظام هذا: إنه ليس في القدرية أجمع منه لأنواع الكفر، وأنه عاشر في شبابه قوما من الثنوية وقوما من الدهرية الحصرية، وذكر الحافظ ابن حجر في لسان الميزان أنه كان متهما بالزندقة مشهورا بالفسق، وذكر الشهرستاني أيضا أن القول بأن الله خلق الخلق دفعة واحدة من المسائل الثمانية التي انفرد بها النظام عن بقية أصحابه من المعتزلة حيث قال: وانفرد عن أصحابه بمسائل ـ وذكر منها ـ الثامنة: من مذهبه أن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ولم يتقدم خلق آدم عليه السلام خلق أولاده غير أن الله تعالى أكمن بعضها في بعض فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكامنها دون حدوثها ووجودها، وإنما أخذ هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة. اهـ.
ومن المعلوم أن الله تعالى خلق آدم قبل ذريته، وخلق الإنسان في بطن أمه في أطوارا، كما قال تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ { سورة الزمر: 6}.

قال ابن كثير: أي: يكون أحدكم أولا نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة، ثم يخلق فيكون لحما وعظما وعصبا وعروقا وينفخ فيه الروح فيصير خلقا آخر. اهـ.

وأخبر سبحانه وتعلى أنه خلق الجن قبل الإنس كما في سورة الحجر: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ { الحجر: 27}.

قال ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكره: وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم. اهـ.

ودلت السنة على أن العرش خلق قبل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. رواه مسلم.

وغير ذلك من الأحاديث الدالة على أن بعض المخلوقات خلقت قبل بعض آخر. فالقول بأن الله خلق الخلق دفعة واحدة مع أنه لا دليل عليه فهو أيضا مصادم لما دل عليه الشرع والعقل من أن المخلوقات يتقدم بعضها عن بعض ويتأخر في الخلق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني