الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف تتحقق توبة من مات أبواه وهما ساخطان عليه

السؤال

هل إذا تسبب الابن في سخط أمه عليه، لكن حدث هذا بدون قصد منه ثم ماتت، فهل يكون بذلك آثما ويتحمل وزر ذلك في الدنيا والآخرة برغم أن ذلك حدث بدون قصد منه؟ وهل هناك توبة لمن مات والداه وهما ساخطان عليه؟ وهل يغفر الله له؟ وكيف يمكن أن ينال رضى الله سبحانه وتعالى وهي مشروطة برضى الوالدين وهما قد ماتا؟ وهل يصبح الابن ملعونا ولا يستطيع أن يتخلص من غضب الله عليه أبدا؟ وهل الله سبحانة وتعالى يقبل من الابن العاق أي عمل حتى لو تاب وندم؟ وكيف يعلم أن الله سبحانة وتعالى يتقبل منه توبته وعمله؟وهل يمكن نيل رضا الوالدين بعد وفاتهما إذا كانا ماتا ساخطين عليه؟ وهل حفظ القرآن الكريم كاملا بنية وضع تاج الوقار على رأس الوالدين يجعل الوالدين يسامحان ابنهما العاق في الآخرة؟ أنا أعرف كيف يبر الابن والديه بعد وفاتهما ولكن العقوق يدخل ضمن حقوق العباد، فهل إن عجز النادم عن رد هذه الحقوق والتكفير عن ذنبه لعظم هذا الذنب يغفر الله له ويساعده فيما لم يستطع التكفير عنه؟ وهل إن ندم الابن العاق وأدرك عظم هذا الذنب وهو مستعد للتكفير عن ذنبة على قدر استطاعته ويريد أن يبدأ بداية جديدة ليعفو الله عنه وينجو من عذاب القبر وعذاب الآخرة فالله سبحانة وتعالى يعفو عنه ويعطيه فرصة للنجاة من العذاب ومن العقوبة الدنيوية والأخروية؟ لقد قرأت أن قول الله سبحانه وتعالى أنه يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به وهي لا تشمل حقوق العباد وسمعت أيضا أن هناك خمس كبائر لا يغفرها الله عز وجل منها عقوق الوالدين، فهل هذا صحيح؟ قرأت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن عقوق الوالدين ومنها ما يدعو فاعل هذه الكبيرة إلى اليأس، مثل حديث: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنه، ثلاثة لا يحجبون عن النار: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بعطائه، والعاق لا يقبل منه عمل، والعاق لا يدخل الجنّة والعاق لا ينظر الله له حتى لو دخل الجنة ـ وأشعر أنه لا يمكن تجنب هذه العقوبات مهما ندم لذلك أسأل متى يمكن للمذنب أن يجزم أنه لن ينجو من عذاب الآخرة أبدا أو يعتقد أن الله سبحانة وتعالى لن يغفر له؟ ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة:ِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، ‏وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى، فهل يمكن للابن العاق أن يعفى من هاتين العقوبتين إذا كانت توبته صادقة؟ أرجوكم أجيبوا عن كل الأسئلة لأنها مرتبطة ببعضها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبما أن هذه الأسئلة كثيرة ومتشعبة وموضوعها واحد والوقت لا يسمح بتتبع جزئياتها فإننا نجيب عليها بشيء من الإيجاز نحاول أن يكون فيه إجابة عنها جميعا ـ إن شاء الله تعالى ـ فنقول وبالله التوفيق: إنه لا شك أن عقوق الوالدين كبيرة من أكبر الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، ويتأكد ذلك في حق الأم التي أكد الإسلام على حقها وخصها بمزيد من العناية، ومن فضل الله على عباده أنه لا يؤاخذهم بما وقعوا فيه من الذنوب والمعاصي فقد قال سبحانه وتعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. قال الشيخ الألباني: صحيح.

وكذلك لا يؤاخذهم بما تابوا منه ولو كان من أكبر الكبائر أو من الشرك الأكبر، فإن الله تعالى يمحو بالتوبة ما قبلها، كما قال تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى: 25}.

وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم { الزمر: 53}.

وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

وندم الولد على ما صدر منه يعتبر توبة، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الندم توبة. صححه الألباني.

ومما يحصل به بر الوالدين بعد وفاتهما ما رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ـ رضي الله عنه ـ قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.

ولذلك، فإذا تاب العاق توبة صادقة قبل الله توبته وعفا عنه كما أشرنا، وما ذكرت من الأحاديث فإنه في من لم يتب من الذنب، والذي لا يغفره الله تعالى دون توبة هو الشرك الأكبر وحده، وما عدا ذلك فإن صاحبه تحت مشيئة الله؛ كما قال سبحانه وتعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء: 48}.

وكان ينبغي أن يكون سؤالك: كيف يمكن للمذنب أن يتخلص من ذنوبه ويدخل الجنة وينجو من العذاب، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه، فقد روى مسلم في صحيحه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل ذا رحمك، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تمسك بما أمر به دخل الجنة.

هذا وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة حول هذا الموضوع في الفتاوى التالية أرقامها: 34602، 51370، 7893، 34197، 16531، 151129، 10941.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني