الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة الصادقة تمحق سيئة العقوق

السؤال

أرجو الإجابة على السؤال التالي إجابة واضحة: إذا أراد شخص التوبة والعودة إلى الطريق المستقيم، وأبوه وأمه ماتا، وهما غاضبان عليه. فهل تقبل توبته رغم غضب أمه وأبيه عليه قبل موتهما؟ ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:

فاعلم وفقنا الله وإياك أن حق الوالدين عظيم؛ ولذلك قرن الله تعالى بين الأمر بعبادته والإحسان إليهما في غير ما آية من كتابه سبحانه؛ كقوله عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .. {النساء:36}، وقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}.

ووصى تعالى بهما، وقرن الأمر بين الشكر له وللوالدين تعظيما وتكريما لهما، فقال عز من قائل: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}،

ولذلك كان عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاثا-: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا، فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

فالإحسان إلى الوالدين إذن أمره عند لله تعالى عظيم، وعقوقهما ذنب كبير، يستلزم المسارعة للتوبة إلى الله تعالى ، والمبادرة إلى ذلك قبل فوات الأوان.

ومن عق والديه في حياتهما حتى ماتا، فليبادر إلى التوبة الصادقة، ويمكنه أن يستدرك شيئا مما فاته من برهما بعد موتهما، وذلك بالدعاء لهما، والاستغفار لهما، والصدقة عنهما، وتنفيذ وصيتهما، وإكرام أصدقائهما، وأهل ودهما ومحبتهما. وللمزيد راجع الفتويين التاليتين: 414712، 422809.

وأما بخصوص قولك: فهل تقبل توبته رغم غضب أمه وأبيه عليه قبل موتهما؟ فجوابه أن الله غفور رحيم بعباده يقبل التوبة الصادقة، ولا يحول ذنب مهما عظم دون قبول التوبة إذا كانت صادقة، وعلى هذا دلت نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [ النساء:48]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:69-70]. وقال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر:54}.

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره، وحسنه الألباني .

وللمزيد راجع الفتويين التاليتين: 1208، 33975.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني