الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز التنقص من قدر الأنبياء

السؤال

أسأل الله عز وجل أن يجزيكم عن المسلمين خيرا. عندي سؤال في غاية الأهمية: هناك بعض المواضيع المتداولة على الأنترنت عن ما يسمى بأخطاء الأنبياء فمثلا: أولا آدم عليه السلام: إن آدم هو أبو البشر الذي خلقة الله عز وجل بيديه وأسجد له الملائكة أجمعين إلا إبليس رفض السجود وذلك بذكر القرآن: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل سؤال السائل لم يكتمل، وأما الحديث عن أخطاء الأنبياء فقد ذكر أهل العلم أنه لا يتحدث فيه إلا مع أهل العلم والفهم الذين لا يخاف عليهم الوقوع في المحظور من تنقص الأنبياء، فقد قال العلامة محمد مولود في محارم اللسان:

كذاك أن يقول في غير تلا وة عصى آدم ربه علا

وذكر أن لاقى نبي ضررا *ما لم يكن ذاكرا أو مذاكرا

للعلما ونحوهم ممن لا يخاف إن يسمعه أن يضلا.

وقد ذكر الراجح في المسألة أهل العلم فذكروا أنهم معصومون من الكبائر، وأنه قد تقع بعض الصغائر منهم أحيانا، وأنهم لا يقرون عليها، بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها وأن الله غفر لهم قطعا، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. انتهى.

وسئلت اللجنة الدائمة: هل الأنبياء والرسل يخطئون؟ فأجابت: نعم، يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم، بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم، ويعفو عن زلتهم، ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة، والله غفور رحيم، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت في هذا. اهـ.

وبما أن السائل ذكر آدم عليه السلام فإننا ننبه إلى أن ما وقع فيه من المعصية كان سببه تغرير الشيطان به وبحواء حيث وسوس لهما وأغواهما بالأكل من الشجرة، وأقسم لهما على أنهما إن أكلا من هذه الشجرة فسيكونان خالدين أو ملكين، قال الله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ { الأعراف:20}.

قال الإمام ابن كثير: يقول: ما نهاكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ{ الأعراف:21} أي: حلف لهما على ذلك كما في الآية الأخرى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى {طـه:120} أي: هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع. إلخ.

ويجب اعتقاد ما أخبر به عنهما أنهما قد تابا من الذنب، وتاب الله عليهما والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {البقرة:37}.

وقال سبحانه: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدى { طـه:121-122}.

وقال سبحانه: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { الأعراف:22ـ23}.

ولمزيد من التفصيل في الموضوع تنظر الفتويان رقم: 6901، ورقم: 48422.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني