الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمة تمثيل دور الكافر في الأعمال الفنية

السؤال

ما هو حكم من يمثل دور الكافر في الأفلام الدينية أو الأفلام الأخرى؟ وهل يكفر، لأنه نطق كلمة الكفر عالما مختارا؟ وما هو حكم من يترجم أو يدبلج برامج الكفار وأفلامهم علما أنها تحتوي غالبا على الكفر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجواز التمثيل مشروط بخلوه من المحاذير الشرعية، ومنها أن لا يتلفظ بالكفر، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي عند الحديث عن تمثيل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفيه: وقد يتضمن ذلك أن يمثل بعض الممثلين دور الكفار ممن حارب الصحابة أو عذب ضعفاءهم، ويتكلمون بكلمات كفرية كالحلف باللات والعزى، أو ذم النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به مما لا يجوز التلفظ به ولا إقراره. اهـ.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا كانت تلك المسرحيات التي تمثل مؤتمرا أو محفلا ماسونيا صهيونيا يخطط صاحبه لهدم الإسلام مشتملة على ما ذكر من تكلم بعض من يمثلهم بكلمة الكفر أو نحوها من المنكر من أجل تصوير واقع ذلك المؤتمر أو المحفل، كأنه مشاهد، يرى رأي العين حتى تتضح حقيقته للحاضرين، فالمسرحية أو التمثيل على هذا الوجه لا يجوز، بل هو منكر، ولو قصد به تحقيق الهدف المنشود من ذلك التمثيل، فإن بيان الحق وكشف حقيقة مؤامرات المؤتمرين وإيضاح هدفهم ومنازع كيدهم للإسلام والمسلمين لا يتوقف على ذلك التمثيل وتلك المسرحيات، بل من السهل تمامه بدون هذه الوسائل المنكرة، فلا ضرورة إليها، مع كثرة وسائل البيان، وإقامة الحجة ودحض الباطل، وكشف ما يبيته أعداء الإسلام للمسلمين والعمل على إحباطه، وعلى هذا لا يكون ذلك الهدف الطيب مبررا للتشبه بأولئك الكافرين بالتمثيل، وإقامة تلك المسرحيات، ولا للتكلم بالمنكر من القول، ككلمة الكفر ولو هازلا أو حسن القصد، لإمكان الوصول إلى المقصود من غير هذه الوسيلة. اهـ.

وأما حكم من ينطق بكلمة الكفر في مثل هذه الأدوار التمثيلية، وهل يعد ذلك من الكفر المخرج من الملة، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن هذا، فقيل له: الممثل في بعض الأفلام يقول كلمة الكفر وهو قاصدها، وقد يسجد للصنم؟ فقال: نرى أنه ليس بالجائز، ولكن لا يكفر. اهـ.

وبيَّن الشيخ ذلك أيضا في تفسير سورة البقرة عند قول الله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {البقرة: 266}.

فقال: هل يجوز ضرب المثل بالفعل، وهو ما يسمى بالتمثيل؟ الجواب: نعم، يجوز لكن بشرط ألا يشتمل على شيء محرم ولنضرب لذلك أمثلة للأشياء المحرمة في التمثيل ـ فذكر بعضها ومنها: أن يتضمن تمثيل دَور الكافر أو الفاسق، بمعنى أن يكون أحد القائمين بأدوار هذه التمثيلية يمثل دَور الكافر أو دَور الفاسق، لأنه يخشى أن يؤثر ذلك على قلبه: أن يتذكر يوماً من الدهر أنه قام بدور الكافر، فيؤثر على قلبه، ويدخل عليه الشيطان من هذه الناحية، لكن لو فعل هل يكون كافراً؟ الجواب: لا يكون كافراً، لأن هذا الرجل لا ينسب الكفر إلى نفسه، بل صور نفسه صورة من ينسبه إلى نفسه، كمن قام بتمثيل رجل طلق زوجته، فإن زوجة الممثل لا تطلق، لأنه لم ينسب الطلاق إلى نفسه، بل إلى غيره، وقد ظن بعض الناس أنه إذا قام بدور الكافر فإنه يكفر، ويخرج من الإسلام، ويجب عليه أن يجدد إسلامه، واستدل بالقرآن وكلام أهل العلم، أما القرآن فاستدل بقوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ـ وهؤلاء القوم يدعون أنهم يخوضون، ويلعبون، يعني: على سبيل التسلية ليقطعوا بها عناء الطريق، ويقول أهل العلم: إن من أتى بكلمة الكفر ولو مازحاً فإنه يكفر، قالوا: وهذا الرجل مازح ليس جادّاً، فالجواب أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث جِدّهن جِدّ وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة ـ فلو قال الرجل لزوجته: أنت طالق يمزح عليها فإنها تطلق، فهل تقولون: إذا قام الممثل بدور رجل طلق امرأته فإنها تطلق امرأته؟ سيقولون: لا، وكلنا يقول: لا، والفرق ظاهر، لأن المازح يضيف الفعل إلى نفسه، والممثل يضيفه إلى غيره، ولهذا لا تطلق زوجته لو قام بدور تمثيل المطلِّق، ولا يكفر لو قام بدوره تمثيل الكافر، لكن أرى أنه لا يجوز من ناحية أخرى، وهي أنه لعله يتأثر قلبه في المستقبل، حيث يتذكر أنه كان يوماً من الدهر يمثل دور الكافر، ثم إنه ربما يعَيَّر به فيقال مثلاً: أين أبو جهل؟! إذا قام بدوره. اهـ.

وقد ذكر الشيخ نحو ذلك في رسالة: تعاون الدعاة وأثره في المجتمع وفي: لقاءات الباب المفتوح.

والقول بالحرمة يكفي للزجر عن مثل هذا، وأعظم منه أن يختلف في كفر من فعل ذلك، فينبغي الحذر والتحذير من النطق بكلمة الكفر أو الإتيان بالأفعال الكفرية، ولو تمثيلا، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 129105.

وأما بخصوص الترجمة، فقد سبق لنا بيان أن الترجمة كالكتابة ابتداء، فكل ما لا يجوز للمسلم كتابته من العبارات لا يجوز له ترجمته، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 118575.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني