الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان أن لا تعارض بين علم الله السابق وبين محاسبة العبد على ما يفعل

السؤال

أريد أن أعرف الإنسان كيف هو مخير.
الحقيقة أني قرأت كتيبا عن القضاء والقدر تقريبا للشيخ ابن عثيمين ولكن عند هذا السؤال مثلا: إن لدي وقتا كنت محتارا أن أعصي أو لا، فعصيت، ثم قلت إن ذلك قضاء وقدر فيقول أين الدليل ؟ ولكن أليس الله يعلم الغيب ؟ وبما أنه يعلم الغيب سيعلم ماذا سأختار ربما الطاعة أو المعصية، وسيعلم أني سأتوب أو لا، ولكن أنا لا أعلم وبما أنه يعلم ماذا سأختار هذا يدل أن كل شيء مكتوب، وإذا كان كل شيء مكتوب فلماذا يعاقب الإنسان على فعلته وحتى لو أنه هو الذي اختار وبعد الاختيار نقول قضاء وقدر أيضا؟؟؟؟؟
لأني والله تعبت من شيء اسمه العادة الخبيثة، في حديث يأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أذنب فيتوب فيتوب الله عليه، ثم أذنب ويتوب ويتوب الله عليه. هكذا. والحديث الآخر: لو أنكم لا تذنبون سيأتي الله بقوم يذنبون ثم يستغفرون.
مثل هذه الأحاديث تدفعني إلى المعصية. ماذا أفعل ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنحن نسألك سؤالا نريد منك أن تتجرد في الإجابة عليه، لماذا لا يعرض لك أمر الاحتجاج بالقدر وأنك غير مخير وأن الله علم أزلا ما أنت عامل إلا عند المعصية، وهل إذا فعلت طاعة كأن صليت أو صمت تقول أنا لا أستحق مثوبة لأن الله هو الذي قدر أم ساعتها تقول أنا الذي فعلت بإرادتي واختياري؟ لا شك أن جوابك هو أنك تستحق المثوبة إذا أطعت لأنك فعلتها بإرادتك واختيارك، فكيف تزعم لنفسك أنك تستحق أن تثاب مطيعا ولا تعاقب عاصيا؟ أليس هذا تناقضا منك؟

ثم نسألك سؤالا آخر، هل لو اعتدى عليك إنسان بضرب أو نحوه هل تقول هو غير مخير وإنما قدر الله ذلك فلا يستحق هذا الشخص أن يعاقب، أم تسعى في الانتصار لنفسك والاقتصاص من ظالمك لأنه لا إشكال عندك في أنه فعل ما فعل بإرادته واختياره ولم يجبره على ذلك أحد؟ لا شك في أنك تجيب بالثاني، فلِمَ تجعل القدر حجة لك ولا يكون حجة لغيرك؟ فلو أنك أنصفت لعلمت أنه لا تعارض بين علم الله السابق ومشيئته النافذة وبين محاسبة العبد على ما يفعل من خير أو شر لأنه فعل ما فعل باختياره، وقد خلق الله له قدرة ومشيئة بها تقع أفعاله وأقام الحجج وأرسل الرسل وقطع المعاذير فليس للعباد حجة عليه بل لله الحجة البالغة سبحانه وبحمده، وقد ذكرنا في فتاوى كثيرة ما يزول به الإشكال في مسألة القدر، وانظر الفتوى رقم 168661 .

وأما الأحاديث التي ذكرتها فهي ثابتة بلا شك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدث بها ترغيبا للعصاة في التوبة والرجوع إلى الله تعالى ولئلا ييأسوا من روحه ولا يقنطوا من رحمته، ولا يستعظموا ذنوبهم بجانب رحمته التي وسعت كل شيء. فكيف جعلتها أنت حاملة على المعصية داعية إليها. وهل هذا إلا من تلبيس الشيطان عليك ومكره بك. وأنت إنما تكون مشمولا بما دلت عليه هذه الأحاديث إذا كنت تائبا لربك مقلعا عن ذنبك نادما على عظيم ما اقترفته وقبيح ما جنيته، وأما مع الإصرار على الذنب فأنت تعرض نفسك لعقوبة الله تعالى شديد العقاب الذي إذا غضب لم تقم لغضبه السماوات والأرض سبحانه وبحمده، ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير. فتب إلى ربك من جميع ذنوبك وعلق قلبك به ولا تتعاظم ذنبك فإن الله يغفر الذنوب جميعا. واستعن بربك في أن يصلح قلبك ويقلبه على دينه فإنه سبحانه مقلب القلوب، ولبيان بعض الوسائل المعينة على الإقلاع عن تلك العادة الخبيثة راجع الفتوى رقم 155315 ورقم 171417

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني