الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يتوقف عن القول بأن الروح مخلوقة

السؤال

ما حكم من يتوقف عن القول بأن الروح مخلوقة سواء روح آدم ـ عليه السلام ـ أو روح أي إنسان ويقول: الروح من أمر الله ولا أقول مخلوقة أو غير مخلوقة؟ وهل يكفر عينا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعقيدة المسلمين قاطبة هي أن الروح مخلوقة لا يشكون في هذا ولا يتوقفون فيه، ومن توقف في كون الروح مخلوقة فإنه يجوز أن تكون قديمة أزلية فهذا كفر بلا شك، وكون الروح مخلوقة أمر معلوم من دين الرسل بالضرورة، قال ابن القيم ـ رحمه الله: فأجمعت الرسل صلوات الله عليهم على أنها ـ يعني الروح ـ محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم، كَمَا يعلم بالاضطرار من دينهم أَن الْعَالم حَادث وَأَن معاد الْأَبدَان وَاقع وَأَن الله وَحده الْخَالِق وكل مَا سواهُ مَخْلُوق لَهُ وَقد انطوى عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم وهم الْقُرُون الْفَضِيلَة على ذَلِك من غير اخْتِلَاف بَينهم فِي حدوثها وَأَنَّهَا مخلوقة حَتَّى نبغت نَابِغَة مِمَّن قصر فهمه فِي الْكتاب وَالسّنة فَزعم أَنَّهَا قديمَة غير مخلوقة وَاحْتج بِأَنَّهَا من أَمر الله وَأمره غير مَخْلُوق وَبِأَن الله تَعَالَى أضافها إِلَيْهِ كَمَا أضَاف إِلَيْهِ علمه وَكتابه وَقدرته وسَمعه وبصره وَيَده، وَتوقف آخَرُونَ فَقَالُوا لَا نقُول مخلوقة وَلَا غير مخلوقة. انتهى.

وأما قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي {الإسراء:85}.

فالأمر فيها بمعنى المأمور، قال ابن القيم: المراد بِالْأَمر هَا هُنَا الْمَأْمُور وَهُوَ عرف مُسْتَعْمل فِي لُغَة الْعَرَب وَفِي الْقُرْآن مِنْهُ كثير كَقَوْلِه تَعَالَى: أَتَى أَمر الله ـ أَي مَأْمُوره الَّذِي قدره وقضاه وَقَالَ لَهُ كن فَيكون، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: فَمَا أغنت عَنْهُم آلِهَتهم الَّتِي يدعونَ من دون الله من شَيْء لما جَاءَ أَمر رَبك ـ أَي مأموره الَّذِي أَمر بِهِ من إهلاكهم، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر ـ وَكَذَلِكَ الْخلق يسْتَعْمل بِمَعْنى الْمَخْلُوق كَقَوْلِه تَعَالَى للجنة أَنْت رَحْمَتي، فَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى: قل الرّوح من أَمر رَبِّي ـ مَا يدل على أَنَّهَا قديمَة غير مخلوقة بِوَجْه مَا وَقد قَالَ بعض السّلف فِي تَفْسِيرهَا جرى بِأَمْر الله فِي أجساد الْخلق وبقدرته اسْتَقر وَهَذَا بِنَاء على أَن المُرَاد بِالروحِ فِي الْآيَة روح الْإِنْسَان وَفِي ذَلِك خلاف بين السلف والخلف. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ بعد كلام نقل فيه أقوال أئمة الإسلام في أن الروح مخلوقة: واعلم بأن القائلين بقدم الروح صنفان، صنف من الصابئة الفلاسفة يقولون: هي قديمة أزلية، لكن ليست من ذات الرب كما يقولون ذلك: في العقول والنفوس الفلكية ويزعم من دخل من أهل الملل فيهم أنها هي الملائكة، وصنف من زنادقة هذه الأمة وضلالها من المتصوفة والمتكلمة والمحدثة يزعمون أنها من ذات الله، وهؤلاء أشر قولا من أولئك وهؤلاء جعلوا الآدمي نصفين: نصف لاهوت وهو روحه، ونصف ناسوت وهو جسده: نصفه رب ونصفه عبد، وقد كفر الله النصارى بنحو من هذا القول في المسيح فكيف بمن يعم ذلك في كل أحد؟ حتى في فرعون وهامان وقارون، وكل ما دل على أن الإنسان عبد مخلوق مربوب وأن الله ربه وخالقه ومالكه وإلهه فهو يدل على أن روحه مخلوقة، فإن الإنسان عبارة عن البدن والروح معا، بل هو بالروح أخص منه بالبدن وإنما البدن مطية للروح. انتهى.

وانظر تتمة البحث في الروح للمحقق ابن القيم، فمن جوز صحة أحد هذه الأقوال الكفرية كان قوله هذا كفرا ـ والعياذ بالله ـ وإن كانت عنده شبهة فإنها تزال ويبين له ما يقتضيه قوله بالتوقف في كون الروح مخلوقة من الكفر الصراح، فإن أصر على قوله كان كافرا والعياذ بالله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني