الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فساد قياس أمور الآخرة على أمور الدنيا

السؤال

1ـ أي امرأة في الدنيا كلها منذ بدء الخليقة إلى يوم القيامة تتمنى أن زوجها يكون لها وحدها سواء في الدنيا أو في الآخرة وتكره أن يحب غيرها حتى ولو بقدر أقل من حبه لها، وهذا الإحساس موجود عند أي امرأة سوية مهما كانت صالحة أو غير صالحة حتى عند أمهات المؤمنين مثلهم في ذلك مثل الرجل الذي يتمنى أن تكون زوجته له وحده وأن تحبه هو وحده، وليس الرجال من بني آدم والنساء كائنات فضائية، فالاثنان عندهم نفس الرغبات والإحساس ـ والله أعلم ـ وربنا عالم أن أي امرأة عندها نفس الرغبة، لأنه هو الذي خلق المرأة وهو الذي زرع فيها هذا الإحساس وهذه الرغبة ليست المرأة هي التي أمرضت نفسها بها، وحينما تكون رغبة موجودة عند كل الناس فمعناها أن ربنا هو الذي خلقنا بها ولسنا نحن من اكتسبناها نتيجة ظروف تعرضنا لها.
2ـ الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس يعني ما تشتهي أي نفس سواء نفس الرجل أو نفس المرأة، والجنة خلقت للرجال والنساء الصالحين وليس للرجال فقط.
3ـ أي أحد يريد حاجة في الجنة يعملها قرأت أحاديث فيها أن الذي ربنا لم يرزقه في الدنيا بأولاد لو طلب من ربنا هذه الأمنية في الجنة فربنا سيحققها له، وقرأت حديثا آخر أن رجلا طلب من ربنا في الجنة أن يزرع فربنا سبحانه وتعالى حقق له رغبته، يعني أن أي أحد في الجنة تتحقق له رغباته وكل رغباته، وغير معقول، فكل الناس يتحقق لهم كل رغباتهم حتى الذي يريد أن يزرع والذي يريد أولادا وربنا لن يحقق للمرأة رغباتها.
4ـ ستقولون لي إن ربنا قال إن للرجل في الجنة حور العين وطبعا لا بد أن نؤمن بأي حرف موجود في القرآن طالما ربنا قاله فمن المؤكد أن هذا ليس معناه أننا نتخيله أو نفهمه بالضبط وبالحرف موضوع الحور العين أولا: لأن مخ الإنسان قاصر، ثانيا: لأننا لم نر الجنة ولم نعش فيها، والذي يؤكد كلامي أن ربنا قال إن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا يخطر على قلب ولا على عقل أي أحد فينا، فموضوع الحور العين كيف ستتحقق معه رغبات المرأة التي هي مشروعة، يعني غير شاذة أو محرمة ولا ينكرها عاقل وتشترك فيها جميع النساء ولا يغفل عنها بالطبع رب العالمين، مع وجود الحور العين.
5ـ بعد كل الكلام الذي قلته أريد أن أقول إن الواجب على أي مسلم أو مسلمة أن لا يدخل نفسه في تفاصيل لن يعرف الإجابة عليها، لأنها في علم الغيب عند رب العالمين، ولكن في نفس الوقت عليه أن يثق تمام الثقة أن ربنا يعلم كل العلم ماذا يريد وماذا يتمنى، لأنه هو الذى خلقه وعليه أن يثق كل الثقة أن ربنا قادر على تحقيق كل شيء وتحقيق كل رغبة للرجل وللمرأة حتى لو بدا لنا أن رغباتهم متعارضة وعلينا أيضا أن نعلم كلنا ـ رجالا ونساء ـ أن في الآخرة لا توجد ميزة لأحد على أحد إلا بالعمل الصالح وبتقوى الله، في الدنيا ربنا ميز الغني عن الفقير وميز الأبيض على الأسود وميز الجميل عن القبيح وميز الصحيح عن المريض وميز الحاكم على المحكوم وميز الرجل على المرأة ببعض المناصب الدينية والدنيوية، وميز المرأة على الرجل بالأمومة التي تعطيها حقا ومكانة أكبر من الرجل وذلك للابتلاء لكن في الجنة لا يمكن ـ إحساسي يقول لي هذا والله أعلم أن ربنا سيميز الرجل بتحقيق جميع رغباته على المرأة بعدم تحقيق رغبة ما لها لمجرد أنه رجل وهي امرأة، فالمعيار في الآخرة هو التقوى وليس الغنى أو الفقر أو الحرية أو العبودية أو لون البشرة أو العرق أو الحسب والنسب أو الملك أو الذكورة أو الأنوثة، فلا أحد فينا مقتنع أن ربنا العادل الكريم يجازي امرأة لها درجة أعلى في الجنة من رجل ما له درجة أقل منها بتحقيق جميع أمنياتها ما عدا أمنية واحدة مثلا، وتحقيق جميع أمنيات ذلك الرجل الذي هو في درجة أقل منها في الجنة.
6ـ نفس نظرة الرجال للنساء في مجتمعنا المسلم تتطور قليلا، لأننا فعلا في مجتمع ذكوري ـ وأنا هنا أتكلم عن المجتمع وليس الدين ـ هذا الكلام موجود كتعليق عن كلام على الحور العين على إحدى الصفحات الإسلامية على الفيس بوك، أرجو إفادتنا إذا كان هذا الكلام مقبولا شرعا أم فيه ما يخالف العقيدة والأدلة الشرعية؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا المقال فيه كثير من الخلط للحقائق، والتوصل إلى نتائج باطلة من خلال بعض المقدمات، فمما ذكرت من الحق: كون المرأة تحب أن يكون زوجها لها وحدها، أو أن الجنة فيها ما تشتهيه النفس، أو أن معيار التفضيل في الآخرة هو التقوى والعمل الصالح، ووجود الحور العين في الجنة.....إلخ، وأما منعها الدخول في التفاصيل بدعوى أن الأمر غيبي فهذا فيه إجمال، فالغيبي الذي لم يكشف عنه الشرع أصلا لا يجوز الدخول في تفاصيله، قال الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}.

وأما إذا بينه الشرع فهذا علم يجب الإيمان بمضمونه وبيانه للناس وعدم كتمانه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {المائدة:67}. وقال سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ {الأنعام:19}.

ومن أكبر أخطاء هذا المقال قياس أمور الآخرة على أمور الدنيا، وهذا من القياس الفاسد، فالآخرة لها أحوالها التي تخالف تماما أحوال الدنيا، بما في ذلك ما قد يحصل من اشتراك في الأسماء، فليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وكون المرأة تحب في الدنيا أن يكون زوجها لها وحدها لا يعني بأية حال أن تكون المرأة في الجنة كذلك، فليس في الجنة ما يكون في الدنيا من الغيرة بين الضرات ونحو ذلك، لأن مثل هذا من النكد والنغائص التي نزه الله الجنة عنها، ومن أحب النساء للرجل في الجنة زوجته من أهل الدنيا، كما هو مبين بالفتوى رقم: 33404.

وينبغي أن يعلم أن الله تعالى سيعطي كلا من الرجل والمرأة في الجنة ما يرضيه، والجنة فيها ما تشتهيه الأنفس كما أخبر القرآن، ولكن هل كل ما يشتهيه الناس في الدنيا ويطلبونه يمكن أن يشتهوه في الآخرة ويطلبوه؟ الجواب أن هذا ليس بلازم، ولذلك قال الترمذي في سننه: قال محمد ـ يعني البخاري ـ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي، ولكن لا يشتهي.

وينبغي أن يكون هم المسلم تحقيق ما يمكن أن يكون سببا في دخوله الجنة دون الدخول في مثل هذا الكلام وشغل الناس وتسويد الصفحات بما لا طائل من ورائه.

وأما نظرة المجتمع إلى المرأة: فإن كانت في أمر يخالف الإسلام فلا شك في أنه من الباطل الذي يجب بيانه والسعي في تغييره، ورفع ما قد يقع من ظلم من الرجال للنساء، وأما وصف المجتمع بأنه ذكوري هكذا بإطلاق، فيه إجحاف كبير ومبالغة، فالسائلة تعيش في مجتمع مسلم يعرف للمرأة حقوقها، وإن كان البعض قد يهضمها شيئا من حقوقها، فهذا لا يؤخذ به المجتمع كله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني