الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوصية التي أجازها الورثة تعتبر وصية لازمة

السؤال

توفيت والدتي وهي تملك بيتا، كانت تقول لي بأنها تريد أن تسجل نصف البيت لأخواتي فأقول لها هذا غير صحيح، وقبل وفاتها بأيام قالت لي إنها تحتفظ ببعض المال ترغب في أن أشتري به قطعة أرض لأختي الكبيرة لظروفها، فقلت لها هذا غير صحيح على حد علمي. وبعد الوفاة وجدت المال (ألف ونصف جنيه) فأخبرت إخواني وأخواتي بوصيتها، فقالوا لا مانع أن نشتري قطعة الأرض لأختنا، أما وصية تسجيل نصف البيت فلم أخبرهم بها، كذلك كانت توصيني أن أعمل لها صدقة جارية من إيجار البيت المذكور ولم أفعل. أرجو من فضيلتكم التوضيح وما هو الأفضل في عمل المال الموصى به (ألف ونصف جنيه)؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الوصية للوارث بنت أو غيرها لا تصح ولا تنفذ إلا إذا أجازها باقي الورثة عن طيب نفس منهم، وكانوا بالغين رشداء، فيجوز العمل بها حينئذ عند الجمهور؛ لما في رواية الدار قطني: لا وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة. قال ابن حجر: إسناده حسن.

ولا يعتبر سماح غير البالغ والرشيد إلا بعد البلوغ والرشد، ولا عبرة كذلك بمن سامح في حقه حياء من غير طيب نفس؛ لما في الحديث : لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس . رواه أحمد.
والأفضل في الألف ونصف جنيه هو العمل بما وافق عليه الإخوة؛ لما فيه من العمل بما أحبت الوالدة فعله، ولقول جمهور أهل العلم إن الوصية التي أجازها الورثة تعتبر وصية لازمة.

فقد قال ابن قدامة في المغني: ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ذلك. وجملة ذلك أن الإنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها سائر الورثة لم تصح بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك. فروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. رواه أبو داود و ابن ماجه و الترمذي. ولأن النبي صلى الله عليه و سلم منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم، ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى، وإن أجازها جازت في قول الجمهور من العلماء، وقال بعض أصحابنا: الوصية باطلة وإن أجازها سائر الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد في رواية حنبل: لا وصية لوارث. وهذا قول المزني وأهل الظاهر وهو قول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي صلى الله عليه و سلم: لا وصية لوارث. وظاهر مذهب أحمد و الشافعي أن الوصية صحيحة في نفسها وهو قول جمهور العلماء لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح، كما لو وصى لأجنبي، والخبر قد روي فيه: إلا أن يجيز الورثة. والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة، ولو خلا من الاستثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا، أو يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة. وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو نفذت، فإذا قال ذلك لزمت الوصية وإن كانت باطلة كانت الإجارة هبة مبتدأة تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة، ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه. اهـ
وأما وصيتها بالوقف إن كان الوقف معلقا على الموت أو كان في مرض الموت فإنه يأخذ حكم الوصية فلا يجوز بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة.

قال ابن قدامة رحمه الله: ومن وقف في مرضه الذي مات فيه، أو قال هو وقف بعد موتي ولم يخرج من الثلث وقف منه بقدر الثلث إلا أن تجيز الورثة. وجملته أن الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال لأنه تبرع فاعتبر في مرض الموت من الثلث كالعتق والهبة، وإذا خرج من الثلث جاز من غير رضا الورثة .... فأما إذا قال هو وقف بعد موتي فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا وهو ظاهر كلام الإمام أحمد .... انتهى مختصرا.

ويستحب للأبناء عمل وقف للوالدة ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها: أن امرأة قالت: يا رسول الله؛ إن أمي افتلتت نفسها، ولم توص وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم فتصدقي عنها.

وأما عدم إخبارهم بوصية تسجيل نصف البيت للبنات فالظاهر من السؤال أنها أخبرتك أنها تريد فعل ذلك، وأنك أخبرتها بعدم جواز ذلك لما فيه من عدم العدل بين العيال، فإن كانت لم توص فعلا فلا حرج في عدم إخبار الإخوة بذلك، وإذا كنت تعلم من إخوتك الكرم وطيب النفس بالتنازل لأخواتهم بنصف البيت برا بأمهم وتحقيقا لما تمنت حصوله فالأفضل إخبارهم؛ وإلا فالأولى أن لا تخبرهم لئلا توقعهم في الحرج.

وقد سأل سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يتصدق عن أمه التي توفيت، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال:الماء، فحفر سعد بيراً وقال هذه لأم سعد. رواه أبو داود وحسنه الألباني.

وقد ذكر النووي في المجموع ـ بعد ذكره لهذا الحديث ـ أنه أجمع المسلمون على أن الصدقة عن الميت تنفعه وتصله.

وقال ابن قدامة: أي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك ـ إن شاء الله ـ أما الدعاء والاستغفار والصدقة فلا أعلم فيه خلافاً. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني