الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف بالطلاق على عدم سداد الدين

السؤال

اقترضت من شخص مبلغا معينا، وبعدها حصل بيني وبينه خلاف على موضوع آخر أخرجني عن طوري فقلت له: علي الطلاق من زوجتي لن أعطيك ما أخذته منك ـ وبعد أن هدأت نفسي ندمت على يميني، وأنا الآن أريد أن أسدد ما بذمتي من مبلغ لهذا الشخص ولا أدري ما هو الحكم، حيث إنني حلفت بالطلاق، أرجو إفادتي وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه أولا على أن الحلف بالطلاق من أيمان الفساق ولا يجوز الإقدام عليه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 58585.

ثم إنك أخطأت بحلفك على عدم وفاء دينك، وهذا من قبيل اليمين على ترك واجب، والحكم في هذه المسألة أن الحالف يجب عليه تحنيث نفسه، لأن بر يمينه يترتب عليه ترك الواجب وهذه معصية بلا شك، جاء في المغني لابن قدامة: وإن كانت اليمين على فعل محرم, أو ترك واجب, فحلها واجب، لأن حلها بفعل الواجب, وفعل الواجب واجب. انتهى.

وفى بدائع الصانائع للكاساني الحنفي: وإن كان على ترك الواجب أو على فعل معصية بأن قال والله لا أصلي صلاة الفرض أو لا أصوم رمضان أو قال والله لأشربن الخمر أو لأزنين أو لأقتلن فلانا أو لا أكلم والدي ونحو ذلك فإنه يجب عليه للحال الكفارة بالتوبة والاستغفار ثم يجب عليه أن يحنث نفسه ويكون بالمال، لأن عقد هذه اليمين معصية فيجب تكفيرها بالتوبة والاستغفار في الحال كسائر الجنايات التي ليس فيها كفارة معهودة، وعلى هذا يحمل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذي هو خير ـ أي عليه أن يحنث نفسه، لقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف أن يعصي الله تعالى فلا يعصه ـ وترك المعصية بتحنيث نفسه فيها فيحنث به ويكفر بالمال وهذا قول عامة العلماء. انتهى.

وجاء في تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي: فإن حلف على ترك واجب أو فعل حرام عصى بالحلف, ولزمه الحنث، لأن الإقامة على هذه الحالة معصية. انتهى.

وبناء على ما سبق، فالواجب عليك تحنيث نفسك وقضاء دينك ويترتب على ذلك وقوع الطلاق، ولك مراجعة زوجتك قبل تمام عدتها إن لم يكن هذا الطلاق مكملا للثلاث، هذا مذهب جمهور العلماء، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحالف بالطلاق إن كان لا يقصد وقوع الطلاق فإن عليه عند الحنث كفارة يمين، وما تحصل به الرجعة سبق بيانه في الفتوى رقم: 30719.

لكنك لا تحنث إذا كنت قد نويت عدم قضاء الدين في مدة معينة كشهر مثلا ثم قضيته بعد انقضاء الشهر، لأن اليمين مبناها على نية الحالف، قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن مبنى اليمين على نية الحالف, فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه, سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ, أو مخالفا له. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني