الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء المسلم بأن يكون أغنى رجل هل يعد من الاعتداء في الدعاء

السؤال

قرأت تعريفا لأحد أنواع الاعتداء في الدعاء أصابني بالإحباط واليأس والقنوط وقليل من الغضب والسخط...لا يجوز لك أن تعتدي بما لا يقبله العقل؟! كيف ذلك وهناك أمراض لا يقبل العقل شفاءها وهناك فقراء يعملون زبالين أولا يجدون عملا أصلا فلا يقبل العقل أن يصبحوا من أصحاب البلايين فأنا منذ سنين وأنا أدعو الله أن أكون أغنى رجل في العالم لكي أخدم الإسلام والمسلمين ولكي أتمتع بالحياة، فهل هذا يعني أن أتوقف عن هذا الدعاء؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن العبد مأمور بالدعاء لقضاء كل ما يحتاج إليه مما يصح شرعا وعقلا، كما قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}.

فلا حرج في الدعاء بكل ممكن شرعا وعقلا ولا نعلم شيئاً لا يجوز الدعاء به إلا إذا كان فيه إثم أو قطيعة رحم أو خلاف السنن الكونية، فإن الله تعالى قد أجرى أمور خلقه في هذا الكون على سنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، كما قال تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا {الفتح:23}.

فلا يجوز أن يسأل الله تعالى ما هو جار على خلاف هذه السنن، فإن ذلك من الاعتداء في الدعاء، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات، وتارة يسأل ما لا يفعله الله مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية، من الحاجة إلى الطعام والشراب، ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولداً من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله.

وليس من الاعتداء في الدعاء دعاء المسلم بأن يكون أغنى رجل إذا كان متخذا للأسباب المؤدية إلى ذلك، فمن سنن الله تعالى القادر على كل شيء أنه ربط الأسباب بالمسببات.. ولهذا قالوا: من جد وجد، ومن زرع حصد، وقال عمر ـ رضي الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

وليس من الاعتداء الدعاء بشفاء الأدواء المزمنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.

فليس هناك مرض يستحيل شفاؤه أو فقير يستحيل غناؤه لا عقلا ولا شرعا، وكم شاهد الناس من شفاء الأمراض المزمنة ومن غنى الفقراء في كل زمان ومكان، وسبق أن بينا فضل الدعاء وأنه أساس العبادة وأنه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 25109، 21386، 11571.

ولذلك، فإن عليك أن تهون على نفسك وتعلم أنه لا داعي للإحباط واليأس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني