الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من لم يكفر تارك الصيام أو الزكاة أو الحج هل يعد من المرجئة ومتى يكون ترك عمل الجوارح كفرا

السؤال

سمعت أن من لم يكفر تارك الصيام أو الزكاة أو الحج يكون من المرجئة ويرتد عن الإسلام. فما صحة ذلك؟ ومتى يكون ترك عمل الجوارح كفرا ؟ ومن هم المرجئة تحديدا ؟ وما معنى ترك عمل الجوارح تحديدا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء إن أهل العلم مختلفون فيمن ترك واحدا من أركان الإسلام الخمسة – مع إقراره بوجوبه– هل يكفر أم لا ؟ والمسألة مشهورة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الْأَرْبَعَةُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ تَارِكِهَا وَنَحْنُ إذَا قُلْنَا: أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِالذَّنْبِ فَإِنَّمَا نُرِيدُ بِهِ الْمَعَاصِيَ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَأَمَّا هَذِهِ الْمَبَانِي فَفِي تَكْفِيرِ تَارِكِهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ . وَعَنْ أَحْمَد : فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ : إنَّهُ يَكْفُرُ مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَابْنِ حَبِيبٍ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَقَطْ، وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا، وَرَابِعَةٌ: لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ. وَخَامِسَةٌ: لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهُنَّ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مَعْرُوفَةٌ لِلسَّلَفِ ... اهـــ .
وعلى هذا لا يجوز تكفير المسلم والحكم بردته لأنه لم يكفر تارك الصيام أو مانع الزكاة من غير جحود, كما لا يجوز الحكم عليه بأنه من المرجئة لأجل ذلك, ومثل هذا الحكم من التكفير أو التفسيق لا يصدر إلا من جاهل بأقوال أهل العلم, فجمهور أهل العلم ومنهم مالك والشافعي وغيرهما من الأئمة الكبار لا يكفرون تارك الصلاة كسلا فضلا عن تارك الزكاة أو الصيام, والصلاة أعظم الأركان بعد الشهادتين, وتارك الصيام ومانع الزكاة إذا كان تركه عن غير حجود فإنه لا يكفر في قول أكثر أهل العلم.

قال الحافظ ابن رجب في شرح البخاري: وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر دون غيرها من الأركان، كذلك حكاه محمد بن نصر المروزي وغيره عنهم . وممن قال بذلك : ابن المبارك، وأحمد - في المشهور عنه - ، وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم ... وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة, خرجه الترمذي . اهـــ
وقال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: وَلَا يُكَفَّرُ بِتَرْكِ صَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا، وَبُخْلًا بِزَكَاةٍ، اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ .... اهـــ .
ومثله قول المرداوي في الإنصاف: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ من الْعِبَادَاتِ تَهَاوُنًا غَيْرُهَا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قال في الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ... اهـــ
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - في شرح الزاد: الأركان الخمسة في الإسلام منها ما تركه كفر بالإجماع، مثل شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا لم يشهد فإنه كافر بإجماع المسلمين، وأما بقية الأركان ففيها خلاف .... ولكن الصحيح أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة فقط . اهــ مختصرا.
وقال أيضا عن تارك الصيام : لكن جمهور العلماء: على أنه لا يكفر؛ لأن عبد الله بن شقيق رحمه الله أحد كبار التابعين قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. فالصواب: أنه لا أحد يكفر بترك ركن من أركان الإسلام إلا في الشهادتين والصلاة فقط. اهـــ
فهل يكون جمهور أهل العلم مرتدين مرجئة ؟!!! .
وأما متى يكون ترك عمل الجوارح كفرا ... إلخ , فقد سبق أن أصدرنا فتوى في بيان هذه المسألة وأن ترك العمل على قسمين: أولهما ترك جنس العمل, والثاني ترك آحاد العمل. فالأول يكفر والثاني لا يكفر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جِنْسَ الْأَعْمَالِ مِنْ لَوَازِمِ إيمَانِ الْقَلْبِ وَأَنَّ إيمَانَ الْقَلْبِ التَّامِّ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ جَعَلَ الظَّاهِرَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ أَوْ جُزْءًا مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .... اهـــ .
وقال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شرح الطحاوية: العمل عند أهل السنة والجماعة داخل في مسمى الإيمان؛ يعني أنَّ الإيمان يقع على أشياء مجتمعة وهي الاعتقاد والقول والعمل، ولذلك من ترك جنس العمل فهو كافر؛ لأنَّهُ لا يصحّ إسلام ولا إيمان إلا بالإتيان بالعمل ... اهــ
وانظر الفتوى رقم: 17836 بعنوان: (جنس العمل شرط في صحة الإيمان ) والفتوى رقم: 133356عن معنى جنس العمل, وأما من هم المرجئة فانظر لذلك الفتوى رقم: 20932عن المرجئة...معناها...معتقداتهم...وقت ظهورهم .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني