الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جنس العمل شرط في صحة الإيمان

السؤال

هل العمل في الإيمان شرط كمال أم شرط صحة مع الدليل؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإيمان كما هو معروف عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل اللسان.

وقول القلب هو: الاعتقاد والتصديق، وعمله هو: الإخلاص والحب والخوف والرجاء وسائر أعمال القلوب التي هي واجبة باتفاق أئمة الدين.

وقول اللسان هو: النطق بالشهادتين والإقرار بلوازمهما، وعمل الجوارح ما لا يؤدى إلا بها، وهي تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها.

فالقلب إذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، وعدم الأعمال الظاهرة دليل على انتفاء الأعمال الباطنة، يقول الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22]. وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81].

فالباطن والظاهر كما هو واضح في الآيات متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، إذا تقرر ذلك، فالذي يعد شرطاً في صحة الإيمان هو جنس العمل، فترك جنس العمل مخرج من الملة، والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول. انظر الفتاوى 7/142.

ويقول في موضع آخر: من الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج لله بيته، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح. ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ*خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم،42-43]. مجموع الفتاوى 7/611.

أما العمل الذي هو شرط في كمال الإيمان فهو آحاده وأفراده، فمن ترك واجباً من الواجبات الشرعية أو ارتكب معصية، نقص إيمانه لكن لا يزول بالكلية. والأدلة على ذلك كثيرة، منها قول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9].

فسماهم مؤمنين رغم اقتتالهم وهو من الكبائر، فالإيمان عند أهل السنة شعب متفاوتة -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- وكل شعبة تسمى إيماناً، وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة شهادة التوحيد، ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني