الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يصح أن يقال عنه صلى الله عليه وسلم إنه مشرع وهل له أن يجتهد فيما لم يوح إليه فيه

السؤال

هل يصح أن يقال إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مشرع أم أنه فقط ناقل للتشريع، والتشريع هو لله رب العالمين فقط؟
وهل السنة من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفسه بإذن من الله أم أنها لا تكون إلا بأمر ووحي من الله- تعالى- ورسول الله مبلغ فقط؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما تسمية النبي صلى الله عليه وسلم شارعا ومشرعا فإن أريد به المعنى اللغوي وأنه مظهر لما أوحاه الله إليه من الشرع فهذا حق، وهذا الاستعمال واقع كثيرا في كلام أهل العلم، وأما إن أريد المعنى الاصطلاحي فلا ينسب التشريع إلا لله سبحانه كما قال جل اسمه: إن الحكم إلا لله. وقال تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية.

ولمزيد التفصيل انظر الفتوى رقم :137535 ، وأما سنته صلى الله عليه وسلم فهي وحي من عند الله كالقرآن إلا أنه لا يتعبد بتلاوتها، وقد كان جبريل ينزل عليه بالسنة كما كان ينزل عليه بالقرآن ودلائل ذلك كثيرة جدا، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النَّحْلِ: 44] وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» يَعْنِي السُّنَّةَ. وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى الْقُرْآنُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشافعي رحمه الله تعالى وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ. انتهى. وقد اختلف الأصوليون هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد رأيه فيما لم يوح إليه فيه أو لا يجوز له ذلك؟ والقائلون بجواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم اختلفوا هل يجوز أن يخطئ في اجتهاده أو لا؟ والمسألة مبسوطة في كتب الأصول، ولعل الراجح أن له صلى الله عليه وسلم أن يجتهد، وقد يقع منه خطأ في الاجتهاد هو مأجور فيه صلوات الله عليه ولكنه لا يقر عليه بل يبادر ربه تعالى بتصويبه، وحينئذ يكون ما اجتهد فيه فأقر عليه وحيا بإقرار الله له عليه، قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله: الأصح (جواز الاجتهاد للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ووقوعه) لقوله تعالى {ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} ، {عفا الله عنك لم أذنت لهم} عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد. انتهى. والحاصل أن جمهور السنة هو بوحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المسائل التي لم يوح إليه فيها، فإن أقر على اجتهاده فإقراره يدل على إصابته ويكون وحيا يلزم العمل به لأنه لا يقر على خطأ، وإن لم يقر على اجتهاده فالشرع هو ما نزل به الوحي. هذا خلاصة ما في هذه المسألة وهي طويلة الذيل تنظرها إن شئت في الكتب المبسوطة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني