الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يجبر الله مصيبة العبد لو احتسب

السؤال

رغم أنني قريب من الله تعالى لكن أجد نفسي كل ما تقدمت خطوة الى الأمام إلا ورجعت خطوات إلى الوراء لست أدري لماذا مع العلم أنني أب متزوج ولي ستة أطفال بنتان وأربعة أولاد المشكلة أن الحظ ليس حليفاً في جميع مواقف حياتي حتى إن اشتريت شيئاً وزدته في البيت إلا وخسرت أشياء.
انصحوني جزاكم الله كل الخير

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن هذه الدنيا دار امتحان واختبار وابتلاء، والمؤمن فيها متقلب بين حال وحال، قال تعالى:الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2]. وقال تعالى:وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].
وروى الشيخان في صحيحيهما عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كمثل الخامة(النبتة أو القصبة اللينة) في الزرع تفيئها (تقلبها) الريح، تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج (تيبس) ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة.
وهذا كله خير للمؤمن يؤجر عليه عاجلاً وآجلاً، وترفع به درجته عند الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كان له بها أجر. متفق عليه عن ابن سعيد وأبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم .
والله تعالى يقول لنا:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-].
قال المفسرون : لنختبرنكم ونمتحننكم.. وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن هذه الدنيا دار محنة وبلاء، وأن علاج ذلك هو الصبر، وإذا صبر العبد جبر الله مصيبته، وأحسن عاقبته، وجعل له خلفا من مصيبته.
وقال سعيد بن جبير: لم تكن هذه الكلمة إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عند الأنبياء والأمم السابقة، ولو عرفها يعقوب عليه السلام لقالها ولم يقل: يا أسفى على يوسف . وقال ابن عطية : انطفأ مصباح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقيل له: أمصيبة! قال: نعم كل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة.
هكذا ينبغي أن نكون أن نحتسب كل ما يصيبنا عند الله تعالى مهما كانت قيمته، وأشد الناس بلاء الأنبياء فالأمثل ثم الأمثل والأتقياء مرزءون.
ولكني أنبه السائل الكريم على أن هذه العبارة لا تنبغي "رغم أني قريب من الله" فكأنه لا يستحق هذا... وفيها كذلك نوع من تزكية النفس التي نهينا عنها قال تعالى:فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].
وإذا أردت معرفة نعمة الله عليك فانظر إلى من هو أدنى منك، ولا تنظر إلى من هو أعلى منك.
والحاصل: أن على السائل الكريم أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. فهو رابح في كلا الحالتين...
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك وجميع المسلمين.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني