الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إعفاء اللحية والأخذ منها

السؤال

قال الشيخ المغامسي في حكم اللحية إن حديث: جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ـ فجزوا الشوارب فعل أمر ووفروا اللحى فعل أمر فنرى أنه اختلف في جز الشارب، فمنهم من جزه جزاً كاملاً، ومنهم من جزه قليلاً، ومنهم من كان له سابلة كعمر ـ رضي الله عنه ـ فعند الغضب كان يحركها، ذكر في الموطأ وكذلك اللحية، فالحكم في الشارب النهي أن يظهر كذلك في اللحى، المهم أن لا تحلق وتؤخذ كلها، وقيل إن الأصول في من حلقها وتركها، فإذا رآك أحد قال ملتح أو غير ملتح، فما رأيكم في هذا القول؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الاستدلال مبني على ما يعرف عند الأصوليين بدلالة الاقتران، وهو حجة عند بعض أهل العلم، ولكن الجمهور ينكرونه قال الشوكاني في إرشاد الفحول: أنكر دلالة الاقتران الجمهور فقالوا: إن الاقتران في النظم لا يستلزم الاقتران في الحكم ... والأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه، ولا يشاركه غيره فيه، فمن ادعى خلاف هذا في بعض المواضع فلدليل خارجي، ولا نزاع فيما كان كذلك، ولكن الدلالة فيه ليست للاقتران، بل للدليل الخارجي. اهـ.

وأما في معنى إعفاء اللحية وحدِّه، فقد اختلف أهل العلم فيه، قال ابن حجر في فتح الباري: حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا، فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال: وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة. اهـ.

وجاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق: اختلف الناس في إعفاء اللحى ما هو؟ فقال بعضهم: تركها حتى تطول، فذاك إعفاؤها من غير قص ولا قصر، وقال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكث وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة. اهـ.

وقال النووي: أما إعفاء اللحية فمعناه توفيرها، وهو معنى: أوفوا اللحى ـ في الرواية الأخرى، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك. اهـ.

وقال القرطبي في المفهم: أما إعفاء اللحية فهو توفيرها وتكثيرها، قال أبوعبيد: يقال: عفا الشيء، إذا كثر وزاد ... فلا يجوز حلقُها ولا نتفُها، ولا قص الكثير منها، فأما أخذ ما تطاير منها وما يُشوِّهُ ويدعو إلى الشهرة طولاً وعرضًا فحسنٌ عند مالك وغيره من السلف، وكان ابن عمر يأخذ من طولها ما زاد على القبضة. اهـ.

وقال العراقي في طرح التثريب: إعفاء اللحية، وهو توفير شعرها وتكثيره، وأنه لا يأخذ منه كالشارب. اهـ.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: معنى إعفاء اللحية تركها لا تقص حتى تعفو أي تكثر، هذا هديه في القول، أما هديه في الفعل فإنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من لحيته. اهـ.

وبهذا يتبين الراجح في معنى إعفاء اللحية، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك، وإلى أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك معروفة، وهي الإعفاء مطلقاً، وهي الأحق بالاتباع، فراجع الفتوى رقم: 14055.

ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 111851.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني