الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج من لم يستجب له فوقع في الشك في الملة

السؤال

هل من جاءته شبهة في الدين وألقى الشيطان وسواسا وشكا في الإيمان يرتد لأني جاتني شبه وشكوك في الدين وهل الريب والشك يخرج من الملة والسبب يا شيخ الرسول عليه الصلاة والسلام قال من شرب ماء زمزم شفي ولم أجد شفاء وقال عليه الصلاة والسلام من توكل على الله وأنا سابقا توكلت وحصلت لي مصيبة وكذلك أمور مثلها كثيرة الرسول عليه الصلاة والسلام قال أمور من فعلها حصل له الأجر والحفظ أو إلى آخره يا شيخ أرجوك أبعد الشكوك عن قلبي بالحق وهل الرسول قال أمرا ولم يحصل وما سببه، هذا سبب لي شكا
وأعطيك امرا خطيرا قال الله عز وجل ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ماهو المقصود بالذكر هنا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا بد من الانتباه أولاً إلى أن المؤمن يشك في نفسه ولا يشك في ربه ودينه ونبيه، ويعود باللوم والعتب عليها لا على شريعته، وإن حصل شيء ألزم نفسه العيب، وعلم أنه إنما أتي من قبلها.

وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمور وأن من قالها أو فعلها حصل له أجر ومنفعة فقد يقولها أحدنا اليوم فلا يحصل له شيء، وما ذلك إلا من نقصنا نحن، وبيان ذلك كما يقول ابن القيم في (الجواب الكافي): أن الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحاً تاماً لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة لم يحصل الأثر. انتهى.

فلو رجع السائل إلى نفسه، فلربما عرف أنه متلبس بمانع من موانع الإجابة من جهة نفسه، ومن ذلك الشك في الإجابة والدعاء على سبيل التجربة، ومنه استيلاء الغفلة واللهو على القلب والجوارح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي وأحمد، وحسنه الألباني. قال المناوي: أي لا يعبأ بسؤال سائل مشغوف القلب بما أهمه من دنياه، قال الإمام الرازي: أجمعوا على أن الدعاء مع غفلة القلب لا أثر له. وانظر فتوانا رقم: 122630.
وهذه الشبهات والوساوس التي تعرض لك إنما هي من كيد الشيطان ومكره، يريد بها أن يفسد قلبك ويبعدك عن طاعة ربك جل وعلا، فعليك أن تجاهد نفسك في دفع هذه الوساوس والتخلص منها، فكلما ألقى الشيطان في قلبك شيئاً منها فلا تفكر فيها وأعرض عنها وفكر فيما يعود عليك بالنفع في دنياك وآخرتك، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واجتهد في الدعاء بأن يصرف الله عنك ما تجده من الوساوس. قال النووي: إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالانشغال بغيرها. وانظر فتوانا رقم: 19691.
ولا ريب أن هناك فرقا بين الشك المخرج من الملة وبين الوسوسة، فالوسوسة: هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان، وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ولا يكون العبد مؤمنا إذا وقع في مثل هذا الشك، فلا بد لحصول الإيمان أن يكون العبد موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وتوبة الشاك تكون بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه. لكن ينبغي التنبه إلى أنه قد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا، ولكنه ليس شكا، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها، وأما من تابع الوسوسة وتكلم بها ونشرها ووصل معها لدرجة الشك التي تزعزع أركان اليقين وتخالف التوحيد، فذاك الذي يخشى على إيمانه ويخاف عليه من الكفر ومتابعة الشيطان فيما يلقي إليه من وسوسة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 120582.
وأما المقصود بقوله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] فقد قال ابن كثير في تفسيره (5/ 322){ ومن أعرض عن ذكري } أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه { فإن له معيشة ضنكا } أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره [ضيق] وحرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة" اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني