الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المراد بثوب الشهرة المنهي عنه

السؤال

إذا كان بلد من البلدان يتميز بلباس معين, فهل يجوز للمسلم أن يرتدي لباس بلده هذا في بلد آخر؟ علمًا أنه سيكون لافتًا للانتباه, ومتميزًا بهذا اللباس عن الآخرين, وهل يعتبر في هذه الحالة لباس شهرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جاء في السنة النهي عن لبس الشهرة، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي .

والمذهب عند الحنابلة كراهة لبس الشهرة، قال المرداوي: يكره لبس ما فيه شهرة, أو خلاف زي بلده من الناس, على الصحيح من المذهب اهـ . وجاء في غذاء الألباب: ونص الإمام أحمد - رضي الله عنه - على أنه لا يحرم ثوب الشهرة, فإنه رأى رجلًا لابسًا بردًا مخططًا بياضًا وسوادًا, فقال: ضع هذا, والبس لباس أهل بلدك, وقال: ليس هو بحرام, ولو كنت بمكة, أو المدينة لم أعب عليك.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية التحريم، وقيده بقصد الشهرة، فقال: يحرم لبس الشهرة, وهو ما قصد به الارتفاع, وإظهار الترفع, أو إظهار التواضع والزهد, لكراهة السلف لذلك. وراجع الفتوى: 3442

والحكم على لباس معين بأنه لباس شهرة يرجع فيه إلى عرف البلد، فإن كان الناس لا يستغربونه فلا حرج فيه.

ومما يتعلق بالعرف أن الناس قد يستنكرون من رجل من أهل البلد لبسه للباس قوم آخرين ويعدونه شهرة، ولو لبسه رجل غريب عن البلدة لا يستغربونه ولا يستنكرونه.

قال ابن عثيمين: ثوب الشهرة ليس له كيفية معينة أو صفة معينة, وإنما يراد بثوب الشهرة ما يشتهر به الإنسان, أو يشار إليه بسببه, فيكون متحدَّث الناس في المجالس, فلان لبس كذا, فلان لبس كذا, وبناء على ذلك قد يكون الثوب الواحد شهرة في حق إنسان, وليس شهرة في حق الآخر, فلباس الشهرة إذن هو ما يكون خارجًا عن عادات الناس بحيث يشتهر لابسه وتلوكه الألسن, وإنما جاء النهي عن لباس الشهرة؛ لئلا يكون ذلك سببًا لغيبة الإنسان وإثم الناس بغيبته.

قال السرخسي: والمراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن والجودة في الثياب على وجه يشار إليه بالأصابع، أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخَلِقِ – القديم البالي - على وجه يشار إليه بالأصابع.

وقال سفيان الثوري: كانوا يكرهون الشهرتين: الثياب الجياد التي يشتهر فيها ويرفع الناس إليه فيها أبصارهم، والثياب الرديئة التي يحتقر فيها ويستذل دينه.

وعن الحصين قال : كان زبيد اليامي يلبس برنسًا، قال : فسمعت إبراهيم النخعي عابه عليه، قال: فقلت له: إن الناس كانوا يلبسونها، قال: أجل! ولكن قد فني من كان يلبسها، فإن لبسها أحد اليوم شهروه وأشاروا إليه بالأصابع.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : لبس الألبسة التي تخالف عادات الناس مكروه لما فيه من شهرة، أي ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع؛ لئلا يكون ذلك سببًا إلى حملهم على غيبته، فيشاركهم في إثم الغيبة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني