الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يجب في قتل شبه العمد

السؤال

إذا كان هناك مجموعة مقاتلة لها أمير, وهذه المجموعة ألقوا القبض على رجل مطلوب, وبأمر من الأمير ضربوا هذا الرجل لاستخراج معلومات منه, ثم مات وهم لم ينووا قتله, وإنما استخراج المعلومات منه فقط, فقال لهم الأمير: إن حكم هذا الرجل أصلًا هو القتل, فماذا عليهم وهم ما فعلوا ذلك إلا طاعة لأميرهم, ولعدم مخالفته في الأمور الاجتهادية؟ وإذا كان هناك عليهم شيء فهل يكون من بيت المال, كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع خالد عندما دفع الدية عنه من بيت المال؟ مع أن الحديث لم يذكر أي شيء عن الجنود الذين نفذوا أمر خالد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته من شأن هذه الجماعة وأميرها وكونه قد أمر بضرب هذا الشخص لاستخراج معلومات منه، وزعمه بعد ذلك أن هذا الشخص كان مستحقًا للقتل، كل هذا لا اعتبار به، والحكم في هذا القتل يختلف باختلاف الآلة، هل هي موضوعة للقتل غالبًا، أو موضوعة للتأديب ونحو ذلك، ولذلك حالتان:

1. إن كانت الآلة المستخدمة في هذا التأديب تقتل غالبًا، فإن الجناية تكون عمدًا عند جمهور الفقهاء، قال الخرشي: والمعنى أن شرط القتل الموجب للقصاص أن يقصد القاتل الضرب, أي: يقصد إيقاعه, ولا يشترط قصد القتل في غير جناية الأصل على فرعه, فإذا قصد ضربه بما يقتل غالبًا فمات من ذلك فإنه يقتص له.

2. إن كانت الآلة المستخدمة في التأديب لا تقتل إلا نادرًا، فإن الجناية تكون شبه عمد عند من يرى شبه العمد، وهو جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة, فتجب فيها الدية, ولا يجب فيه القصاص.

قال البهوتي في كشاف القناع: وشبه العمد أن يقصد الجناية: إما لقصد العدوان عليه، أو قصد التأديب له، فيسرف فيه بما لا يقتل غالبًا، ولم يجرحه بها فيقتل، قصد قتله، أو لم يقصده، سمي بذلك لأنه قصد الفعل، وأخطأ في القتل.

ولم ير الإمام مالك شبه العمد من أنواع القتل, فجعل هذه الجناية خطأ، تجب فيها الدية على العاقلة، ففي المدونة: قال مالك: شبه العمد لا أعرفه, إنما هو عمد أو خطأ، ولا تغلظ الدية إلا في مثل ما فعل المدلجي بابنه.

والأرجح: الرأي الأول الذي يجعل هذه الجناية شبه عمد؛ لأنه قد اقترن قصد الفعل بعدم قصد القتل بقرينة استعمال الآلة التي لا تقتل إلا نادرًا، أي: اقترن العمد بالخطأ، وهذا ينفي كونها عمدًا، كما ينفي كونها خطأ محضًا، فهي في مرتبة وسطى وهي شبه العمد، حفظًا لأرواح الناس من الإهدار، ورعاية لأسرة المقتول وورثته، وتأديبًا للجاني.

أما ما يترتب على كل احتمال من هذين الحالتين فقد بسطناه في الفتوى رقم: 11470.

وفي الحالة الأولى التي يكون القتل فيها عمدًا فإن القصاص يشمل جميع من باشر الضرب، وراجع الفتوى رقم: 62993.

وفي الحالة التي يكون فيها القتل شبه عمد فتجب الدية على عواقل الجناة, شأنها في ذلك شأن العاقلة الواحدة، قال خليل: وحكم ما وجب على عواقل بجناية واحدة كحكم الواحدة, وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 192145 / 6512 / 5900.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني