الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استقامة العبد وطاعته لا تعني إجابة جميع دعواته

السؤال

نذرت نذرا لله، وأخذت عهودا على نفسي كثيرة، إذا حقق لي الله أمرا معينا خلال مدة معينة، ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن, لذلك تنتابني حالة من الاكتئاب الشديد، وكلما تذكرت رحمة الله، وثقتي به، والرضا، يوسوس لي الشيطان بعدها بأن الله لو كان يسمع دعائي لكان حققه، مع العلم بأني أؤدي فرائضي، وأتقي الله في معاملة الناس، وأخلاقي الحمد لله طيبة بشهادة الناس، وبدأت في حفظ القرآن الكريم.
فهل ذلك صحيح, هل الله لا يريد استجابة دعائي؟ وماذا أفعل كي يستجيب الله لدعائي، فأنا بحاجة شديدة لأن يحقق لي هذا الأمر، فهذا سينصرني على أعدائي ويغير مجرى حياتي، وكله في طاعة الله بالتأكيد؟ جزاكم الله خيرا وأرجو منكم الدعاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس النذر مما يحقق وقوع الأمر المطلوب؛ إنما يستخرج به من البخيل, فعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له، فيستخرج الله به من البخيل، فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل. رواه البخاري.

كما أن النذر ليس من طرق استجلاب النفع أو دفع الضر من الله تعالى, وإنما طريق ذلك هو الدعاء والأعمال الصالحة, وليس من شرط محبة الله للعبد أن يستجيب له في كل ما يدعوه به، وإنما يستجيب الله للعبد فيما يشاؤه الله تعالى وفي الوقت الذي يريده، وربما لا يعطي الله العبد ما سأل لحكمة يعلمها سبحانه؛ فقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلا، ثم انصرف إلينا فقال: سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها.

ولا يعني كون الإنسان على استقامة وطاعة أن يعطيه الله كل ما سأل مهما كان، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم منع واحدة مما سأل ربه, مع العلم أن الاستقامة والطاعة يصحبها الابتلاء غالباً ومنه تأخير استجابة الدعاء, فعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، ثم سائر الناس على قدر دينهم، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه. رواه الضياء في الأحاديث المختارة.

وعليك ألا تيأسي من رحمة الله، ولا تملي من الدعاء مهما طال تأخر الإجابة؛ لأن من شروط استجابة الدعاء ألا يمل العبد ولا يستعجل؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي.

واعلمي أن المطلوب منك هو المواصلة في الدعاء وعدم الملل أو اليأس, ولا تظني أن هذا الأمر هو فقط ما سيحقق لك ما تريدينه، فرحمة ربك خير وأوسع, ولعل الله حجزه عنك لأن من ورائه مضرتك لا نفعك. قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

وانظري فتوانا رقم: 123487.


والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني