الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الانحناء عند اللقاء بهيئة الركوع

السؤال

ما حكم هذه العبارة: أمي أقبل يديك شوقا وليس ذلا، أركع لك حبا وليس كفرا؛ فأنت حبيبتي سرا وجهرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتقبيل يد الأم، وإعلان محبتها سرا وجهرا، وخفض الجناح لها، من البر بها. ولذا فالعبارة الأولى والأخيرة لا حرج فيهما، أما عبارة: أركع لك ....فعبارة منكرة.

وقد روى الترمذي وأحمد من حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك، واختلف في ذلك هل هو حرام أو مكروه.

قال ابن علان الشافعي: من البدع المحرمة الانحناء عند اللقاء بهيئة الركوع. أما إذا وصل انحناؤه للمخلوق إلى حد الركوع قاصداً به تعظيم ذلك المخلوق كما يعظم الله سبحانه وتعالى، فلا شك أن صاحبه يرتد عن الإسلام ويكون كافراً بذلك، كما لو سجد لذلك المخلوق.

وقال ابن الصلاح: يحرم السجود بين يدي المخلوق على وجه التعظيم وإن قصد بسجوده اللّه تعالى، وما ذكره اللّه تعالى من قوله في إخوة يوسف: وخروا له سجداً، فذلك شرع من قبلنا وهو ليس بشرع لنا؛ إلا إن جاء تقريره في شرعنا، فيعمل بذلك التقرير. اهـ.

وقال النووي في المجموع: يكره حني الظهر في كل حال لكل أحد؛ لحديث أنس السابق في المسألة الأولى. "وقوله : أينحني له ؟ قال : لا" ولا معارض له، ولا تغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح ونحوهما. اهـ.

وفي الفتاوى الهندية: الانحناء للسلطان أو لغيره مكروه؛ لأنه يشبه فعل المجوس، كذا في جواهر الأخلاطي.

وقال البجيرمي في حاشيته: الانحناء لمخلوق كما يفعل عند ملاقاة العظماء، حرام عند الإطلاق، أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى. اهـ.

وقال الشربيني في مغني المحتاج: يكره حني الظهر مطلقا لكل أحد من الناس, وأما السجود له فحرام. اهـ.

وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" ما نصه: لا يجوز الانحناء في السلام؛ لأن ذلك ركوع، والركوع عبادة لا تجوز إلا لله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه « قيل له: يا رسول الله: الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال : لا ».... انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية: قال العلماء: ما جرت به العادة من خفض الرأس والانحناء إلى حد لا يصل به إلى أقل الركوع - عند اللقاء - لا كفر به، ولا حرمة كذلك, لكن ينبغي كراهته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لمن قال له: { يا رسول الله, الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال: لا, قال: أفيلتزمه ويقبله ؟ قال: لا , قال: أفيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال : نعم } . الحديث. أما إذا انحنى ووصل انحناؤه إلى حد الركوع، فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إن لم يقصد تعظيم ذلك الغير كتعظيم الله لم يكن كفرا ولا حراما, ولكن يكره أشد الكراهة؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرا . وذهب بعضهم إلى حرمة ذلك ولو لم يكن لتعظيم ذلك المخلوق؛ لأن صورة هيئة الركوع لم تعهد إلا لعبادة الله سبحانه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني