الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما الحكم إذا فسدت الحال بين الزوجين وصار بقاء النكاح مفسدة وضررا

السؤال

أنا رجل أعيش في دولة أوروبية، ولي زوجة ‏تعيش بمصر مع أهلها لحين تهيئة منزل الزوجية، ‏مع العلم أن لي منزلا بالصعيد، ولا تريد الإقامة ‏معي فيه. تطاولت علي بالسب والشتم أكثر من ‏مرة، وصبرت على ذلك. بعثرت أموالي على شراء ‏أشياء باهظة الثمن من ثياب وغيرها، مع أنني ‏غير مقصر معها، أرسل لها مصروفها الشهري ‏ولا أتأخر في ذلك. سريعة الإساءة علي وعلى أهلي. قلبت حياتي جحيما عبر الرسائل بالجوال. ‏أوصلتني إلى حالة هستيرية، لا أعلم عدد ركعات ‏الصلاة وأنا أصلي. لطمت وجهي، وشققت ثيابي، ‏واستغفرت الله على ذلك. عسى أن يتوب علي مما ‏فعلت. تتهمني عبر الرسائل بالخيانة، يتطاول ‏علي إخوتها أيضا بالسب والشتم. وكل ذلك أقول ‏الصبر لعل الله يصلح حالها هي وأهلها. تخرج ‏دون علمي مع العلم أنها يمكنها التحدث معي ‏والاستئذان. تسافر مع أهلها دون علمي، كل ما أشتريه لها تعطيه هدايا دون علمي. وفي ‏حالة الغضب التي لطمت فيها وجهي، وشققت ثيابي، ‏رميت عليها يمين الطلاق. ومرة أخرى ذهبت ‏لأعاتب أهلها، تطاول أخوها علي، وأهلها ‏أوصلوني لمرحلة لا أدرك فيها ما أقول، قلت لأخيها ‏اعتبرها طالقا. ورددتها وعشت معها، وحملت مني، ‏ولي منها ولد.‏
وآخر مرة منذ شهر أرسلت أيضا رسائل عبر ‏الجوال تشتمني فيها وتسبني، أنا وأهلي، وترميني ‏بالباطل، عصبتني، وأقسم بالله، والله على ما أقول ‏شهيد، كادت أن ترمي بي بمستشفى الأمراض ‏العقلية، بعثت لها رسالة عبر الجوال قلت لها: أنت ‏طالق ولن أتحملك مرة ثانية كفاية. ‏
سؤالي: هل وقع طلاقي في كل ما ذكرت؟ أستغفر ‏الله مما فعلت ومما كنت فيه، والله يعلم أنني كنت ‏في غير وعيي والله على ما أقول شهيد. أفيدوني ‏أفادكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقولك عن زوجتك :" رميت عليها يمين الطلاق ". إن كان المقصود به أنك تلفظت بطلاقها، وكان ذلك بلفظ صريح كأن قلت لها: أنت طالق، أو بكناية من كناياته قاصدا بها الطلاق، فقد وقع الطلاق؛ وراجع في ألفاظ الطلاق الفتوى رقم: 39287. وإن كان المقصود هو أنك حلفت بطلاقها، فالحلف بالطلاق في حكم الطلاق المعلق في قول جمهور الفقهاء يقع فيه الطلاق بالحنث في اليمين، وهو القول الذي نفتي به. وراجع للمزيد الفتوى رقم: 11592.

وأما قولك لأخيها:" اعتبرها طالقاً " فمن كنايات الطلاق فلا يقع بها الطلاق إلا مع النية كما بينا بالفتوى رقم: 3174. والظاهر أنك نويت بها الطلاق، فيقع، وكذا الطلاق بواسطة رسالة الجوال فهو من باب الطلاق كتابة لا يقع إلا بالنية كما هو مبين بالفتوى رقم: 53917.

وهذه التصرفات التي ذكرتها عن زوجتك - إن صحت - مما يدل على سوء خلقها ونشوزها. والشرع الحكيم قد بين كيفية معاملة الناشز، فيمكنك أن تراجع الفتوى رقم: 2589. فإن استقام حالها فذاك، وإلا فأنت في سعة من أن تبقي مثلها في عصمتك، وقد يكون الطلاق والحالة هذه خيرا من إمساكها.

قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررًا مجردًا بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 48538.

وإن مما يفاقم المشاكل بين الزوجين، ويزيد النار بينهما اشتعالا، ويعقد المشكلة، تدخل أهل الزوجة على غير وجه المصلحة والإصلاح؛ فإن فعلوا ذلك فينبغي أن ينصحوا، ويذكروا بالله تعالى وبسوء عاقبة الفساد والإفساد.

وننبه في ختام هذا الجواب إلى بعض الأمور:

الأمر الأول: أنه يجب على الزوجة أن تقيم حيث يقيم زوجها ما لم يمنعها من ذلك مانع شرعي، وسبق أن بينا ذلك بالفتوى رقم:112185.

الأمر الثاني: أن الغضب لا يمنع وقوع الطلاق إلا إذا وصل صاحبه إلى حد لا يدرك فيه ما يقول. وتراجع الفتوى رقم: 15595.

الأمر الثالث: أن لطم الخدود وشق الجيوب عند المصيبة ليس من خلق أهل الإسلام، بل هو من شأن الجاهلية، إضافة إلى أنه من عادة النساء لا الرجال. وراجع الفتوى رقم: 21997.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني