الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أحدهم أرسل إلي هذا الرد, فهلا أفدتموني عن صحة هذا الكلام، وجزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.
لكن ماهو مقدار الإعفاء؟! فمن زادت لحيته فوق القبضة زادت حماقته. كما ورد بذلك الحديث في معجم الإمام الطبراني، وحلق الشارب عند السادة المالكية مكروه وبشدة، وفاعله لا تقبل شهادته لديهم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما إعفاء اللحية ومقداره، فقد اختلف أهل العلم فيه، وإليك بعض أقوالهم بهذا الخصوص.

جاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم: قال في غاية البيان: اختلف الناس في إعفاء اللحى ما هو؟ فقال بعضهم: تركها تطول، فذاك إعفاؤها من غير قص. وقال أصحابنا: الإعفاء تركها حتى تكثَّ وتكثر، والقص سنة فيها، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد منها على قبضة قطعها، كذلك ذكر محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة قال: وبه نأخذ. اهـ.
وقال ابن حجر في شرح حديث البخاري: خالفوا المشركين وفروا اللحى: وذكر عن الطبري أنه قال: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها وعرضها، وقال قوم: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد.. ثم ساق سنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل... وذكر عن الحسن البصري أنه يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، واختار الطبري قول عطاء.. وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به.. ..وقال عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في تقصيرها، كذا قال، وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره. انتهى.


وقال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: وقد روى ابن القاسم عن مالك: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ، قيل لمالك فإذا طالت جداً؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقص. وروي عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللحية ما فضل عن القبضة. اهـ.

وجاء في بدائع الفوائد: قال ابن هانىء: سألت أبا عبد الله عن الرجل يأخذ من عارضيه، قال: يأخذ من اللحية بما فضل عن القبضة, قلت له: فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: احفوا الشوارب واعفوا عن اللحى, قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه, ورأيت أبا عبد الله يأخذ من عارضيه من تحت حلقه, قال: ورأيت أبا عبد الله يأخذ حاجبه بالمقراض. اهـ.

وأما عن الشارب، فقد نقل عن مالك أنه كان يرى حلق الشارب مثلة ويؤدب فاعله.

قال مالك في الموطأ: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة، وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار: وذكر ابن عبد الحكم عن مالك أنه قال: ليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه. وروى أشهب عن مالك قال حلقه من البدع.

و قال ابن عبد البر: وقال ابن القاسم عن مالك: إحفاء الشارب عندي مثلة، وقال أشهب عن مالك في حلق الشارب: هذه بدعة وأرى أن يوجع ضربا من فعله. اهـ.

وقال النووي: وأما الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: احفوا وانهكوا. وهو قول الكوفيين، وذهب كثير منهم -يعني السلف- إلى منع الحلق والاستئصال، وقاله مالك، وكان يرى حلقه مثلة، ويأمر بأدب فاعله، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد، وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة، وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين. هذا آخر كلام القاضي. والمختار: ترك اللحية على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا، والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفه. انتهى كلامه.

وانظر الفتوى رقم: 17131 للمزيد في مذاهب أهل العلم في قص الشارب.

وأما قول بعضهم من زادت لحيته فوق قبضته زادت حماقته فمن فاسد القول . وانظر الفتوى رقم: 195619 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني