الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آداب الدعاء وعوامل البكاء والخشوع أثنائه

السؤال

أنا أدعو منذ 4 أو 5 أعوام, ولم يقدر أن يستجاب لي بعد, ولكن هذا ليس ما أحمل همَّه, ففي الصيف الماضي تعسر علي النطق, وتعسرت الاستجابة, وقد أنطق الله لساني بالدعاء منذ تلك اللحظة أكثر من ذي قبل, وأصبحت واثقة أكثر, وأقول لنفسي: لقد قدَّر الله ذاك؛ حتى يسمع صوتي, ويزداد تضرعي له, وحتى يختبرني: هل أنا واثقة منه أم لا؟ وبدأ يتحقق جزء من دعوتي, وهنا تكمن المشكلة, ودعوتي هي أن أتزوج شخصًا معينًا, وكنت أدعو أن يقرِّب الله بين أهلي وأهله, وعرفت مؤخرًا أن بنات عمتي صديقات لأخته, وأم أمه تسكن في منطقة مجاورة لبيت عمي الذي كنا نعيش فيه عندما كنت صغيرة, وربما أخواله يعرفون أبي وعمي, ومن خلال برنامج (إنستغرام) تمكنت من الوصول لوالدته وخالاته, وبدأت بالتواصل البسيط معهم, وهنا المشكلة, فقد عرفت أسلوب حياتهم - وهو أسلوب لا بأس به, ولكني لم أعتد عليه, وأنا لا أحبه أيضًا - فهم يتواصلون مع أقرباء أقربائهم, ويقومون بأمور أخرى لا أحبها, مثل: التخييم بالصحراء, فهناك صوت في داخلي يقول: ماذا تريدين منهم؟ فالزواج من هذه العائلة لا يناسبك - أو كما يقول إخواني المصريون (بلدي أوي) - ولكني متأكدة أنه من كيد الشيطان؛ لأنه في البداية كان يوسوس لي بأنه لا فائدة من دعائي, وعندما يأتيني ذلك الشعور كنت أصلي مباشرة, وأدعو وأطيل الدعاء, وأسهر ليلًا لأدعو, والشيطان يكره أن يدعو المرء ربه؛ ولهذا يوسوس له باستحالة الإجابة؛ كي ينصرف العبد عن الدعاء, فهل يتبع وسائل أخرى غير الوسوسة للشخص باستحالة الدعاء - كأن يذكر له أن هذا الأمر لا يناسبك, ولو حدث فسوف يحدث كذا وكذا؟ وما هي الوسائل التي تساعد على إنزال الدموع أثناء الدعاء؟ وهل يجوز أن أخفض رأسي جدًّا أثناء الدعاء من باب التذلل؟ مع الشكر والتقدير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالشيطان عدو الإنسان, وبذلك أخبر ربنا الرحمن في كتابه العزيز, حيث قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}، فهو حريص على تثبيط الإنسان, ومنعه عن الخير، ولا سيما الدعاء, ففيه العبودية, وإظهار الافتقار والضراعة لرب الأرض والسماء؛ ولذلك يحبه الله وأمر به حيث قال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وهو سبحانه يغضب على المعرض عن الدعاء، ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إنه من لم يسأل الله يغضب عليه. فإذا كان الأمر كذلك فيمكن للشيطان أن يتخذ كل وسيلة يمكن أن تثبط المسلمين من الدعاء، ومنها: ما أشرت إليه بالسؤال، ومن ذلك أيضًا أن يشعره ببطء الإجابة, أو أنه عاص ولن يستجاب له, ونحو ذلك من مكائده.

وينبغي للمسلم أن لا يلتفت لشيء من هذه الوساوس، بل عليه أن يمضي في الدعاء محسنًا الظن بربه, وعاملًا على تحقيق الشروط والآداب التي يرجى أن تتحقق معها الإجابة، والتي بيناها بالفتوى رقم: 119608.

والدعاء نفسه من أفضل الوسائل التي يستجلب بها دمع العين عند الدعاء أو غيره، كما أن تكلف البكاء يجعل الأمر بعد ذلك سجية للمرء, فيصبح رقيقًا تبكي عينه, وتسكب العبرات, وهنالك أمور أخرى ذكرت مفصلة بموقع الإسلام سؤال وجواب نذكرها هنا مجملة وهي: استشعار الخوف من الله تعالى، وقراءة القرآن وتدبر معانيه، ومعرفة عظيم الأجر على البكاء - وخاصة في الخلوة - والتفكر في حالك وتجرؤك على المعصية, والخوف من لقاء الله على هذه الحال, والبكاء من الشفقة من سوء الخاتمة, وسماع المواعظ المؤثرة, والمحاضرات المرققة للقلب.

ولا بأس عند الدعاء من طأطأة الرأس, ونحو ذلك من الأفعال التي يظهر بها المسلم خضوعه وذله لربه سبحانه وتعالى.

ونختم بالكلام فيما يتعلق بالزواج من الشاب المذكور فنقول: إن كان هذا الشاب مرضيًا في دينه وخلقه, فلا حرج في دعائك بأن يجعله الله لك زوجًا, والفوارق الاجتماعية ليست مانعًا شرعًا من الزواج منه, ومع هذا فإن خشيت أن يكون ذلك عائقًا في سبيل تحقيق السعادة في الحياة الزوجية, فلا بأس بالإعراض عنه، وسؤال الله تعالى أن يرزقك زوجًا صالحًا غيره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني