الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذكر الآثار الواردة في رد شهادة من ينتف لحيته

السؤال

ما هي الآثار التي تحكي أن عمر وابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز رفضوا شهادة الذي نتف لحيته؟ وما هو سندها؟ وهل يصح؟
وهل صحيح أنه روي عن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كبرت، فأخذ يجذبها، ثم قال: ائتوني بجلمتين، ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده، ثم قال: اذهب فأصلح شعرك أو أفسده، عمدة القاري 22/47, فتح الباري 10/296, المنتقى 7/266.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الآثار ذكرها أبو طالب المكي في قوت القلوب فقال: ردّ عمر بن الخطاب وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة رجل كان ينتف لحيته، ونتف الفينكين بدعة، وهما جنبتا العنفقة، شهد رجل عند عمر بن عبد العزيز بشهادة وكان ينتف فنيكيه فردّ شهادته. اهـ. وتبعه الغزالي في الإحياء فقال: نتف الفنيكين بدعة ـ وهما جانبا العنفقة ـ شهد عند عمر بن عبد العزيز رجل كان ينتف فنيكيه فرد شهادته، ورد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وابن أبي ليلى قاضي المدينة شهادة من كان ينتف لحيته. اهـ.
وتبع الغزالي على ذلك جماعة من أهل العلم ونقلوه في كتبهم، ولم نجد شيئا من ذلك في كتاب مسند إلا أحكام القرآن للجصاص، حيث قال: قد روي عن السلف رد شهادة قوم ظهر منهم أمور لا يقطع فيها بفسق فاعليها, إلا أنها تدل على سخف أو مجون، فرأوا رد شهادة أمثالهم، منه ما حدثنا عبد الرحمن بن سيما، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثنا محمود بن خداش، قال : حدثنا زيد بن الحباب، قال : أخبرني داود بن حاتم البصري: أن بلال بن أبي بردة ـ وكان على البصرة ـ كان لا يجيز شهادة من يأكل الطين وينتف لحيته، وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا حماد بن محمد، قال: حدثنا شريح، قال: حدثنا يحيى بن سليمان، عن ابن جريج أن رجلا كان من أهل مكة شهد عند عمر بن عبد العزيز وكان ينتف عنفقته ويحفي لحيته وحول شاربيه, فقال: ما اسمك؟ قال: فلان, قال: بل اسمك ناتف، ورد شهادته. اهـ.
وأما المسألة من حيث الحكم، فقد ذكرها فقهاء المذاهب في كتبهم، فقال ابن عابدين الحنفي في العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية: قال العلائي في كتاب الصوم قبيل فصل العوارض: إن الأخذ من اللحية وهي دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يبحه أحد، وأخذ كلها فعل يهود والهنود ومجوس الأعاجم، انتهى ـ فحيث أدمن على فعل هذا المحرم يفسق وإن لم يكن ممن يستخفونه ولا يعدونه قادحا للعدالة والمروءة. اهـ.
وقال ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام: وأما منع ما لا يجب فالقدح به في الشهادة يفتقر إلى تفصيل يعرفه من يعرف الاستدلال بحركات الناس وطباعهم وسيرهم في دينهم وصدقهم... ومنه: شهادة ناتف لحيته وقد اختلف فيها. اهـ.
وقال الماوردي الشافعي في الحاوي الكبير: المروءة على ثلاثة أضرب: ضرب يكون شرطا في العدالة، وضرب لا يكون شرطا فيها، وضرب مختلف فيه، وأما ما يكون شرطا فيها فهو: مجانبة ما سخف من الكلام المؤذي أو المضحك وترك ما قبح من الضحك الذي يلهو به، أو يستقبح لمعرفته أو أدائه، فمجانبة ذلك من المروءة التي هي شرط في العدالة، وارتكابها مفض إلى الفسق، ولذلك نتف اللحية من السفه الذي ترد به الشهادة.. اهـ.
وأما أثر عمر في الرجل الذي ترك لحيته، فلم نجده مسندا، وقد ذكره ابن بطال في شرح صحيح البخاري وتبعه العيني في عمدة القاري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني