الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علة كراهة الحلف بالطلاق، ومستند كونه من أيمان الفساق

السؤال

( ... واعلم أن الحلف بغير الله لا يجوز بحال من الأحوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه... )
الحلف أو الطلاق الموجود باستفسار السائل لا علاقة له بالحلف بغير الله.
(واليمين بالطلاق خاصة من أيمان الفجار )
أصل الطلاق الجواز، فالحلف بالجائز ليس من أيمان الفجار.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحلف بالطلاق أو بالعتاق، محل خلاف بين العلماء، وقد سقنا بعض أقوالهم في الفتوى رقم: 138777 .

وهذا الفقرة التي اقتبستها هي من فتوى درجت على شق الخلاف، وأخذت بالقول القائل بالتحريم وهو مذهب للمالكية، والشافعية، ورواية عن الحنابلة.

أما قولك: (الحلف أو الطلاق الموجود باستفسار السائل لا علاقة له بالحلف بغير الله) فذلك أمر اختلف فيه أهل العلم، ومبنى الخلاف هل اليمين أصلا شامل لحرف القسم وللتعليق معا، أو مقصور على حرف القسم؛ وذلك لأن التعليق ليس في الحقيقة للتعظيم وإنما يراد به التوثيق، وقد ذكر الأحناف هذا الخلاف في كتبهم.

قال في البحر الرائق: واليمين بغير الله تعالى مكروهة: هذا بعمومه شامل لما فيه حرف القسم، وما ليس فيه كالتعليق بالطلاق والعتاق. وظاهر ما سيأتي قريبا من قوله: وفي التبيين: لا تكره عند العامة. شامل للنوعين. لكن في الفتح ما يفيد تخصيصه بالتعليق حيث قال: ثم قيل يكره الحلف بالطلاق، والعتاق؛ لقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - «من كان حالفا فليحلف بالله» الحديث. والأكثر على أنه لا يكره؛ لأنه لمنع نفسه، أو غيره. ومحمل الحديث غير التعليق مما هو بحرف القسم.

وحري بالتنبيه أن في اليمين بالطلاق علة ثانية تقتضي كراهته.

قال في المقدمات الممهدات: ومكروهة لوجهين:

أحدهما: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف به، وعن الحلف بغير الله.

والثاني: أنه قد يقع حنثه في حال الحيض، أو دم النفاس، أو في طهر قد مس فيه، وهذه أحوال لا يجوز إيقاع الطلاق فيها.

فإن كانت الزوجة ممن لا تحيض، أو يائسة من المحيض، كره لمخالفته السنة خاصة.

وأما قولك: (أصل الطلاق الجواز، فالحلف بالجائز ليس من أيمان الفجار) فكون هذه اليمين من أيمان الفساق نص على ذلك المالكية في كتبهم، وإنما هذا بناء على أن الحلف بالطلاق محرم كما سلف أنه مذهبهم، وقد عدوا هذا الحلف جرحة في حق من اعتاد عليه.

ففي المقدمات الممهدات: وقال مطرف وابن الماجشون: من اعتاد الحلف بالطلاق فذلك جرحة فيه، وإن لم يعلم له حنث فيه.

وقالوا يؤدب الحالف به.

قال في المدخل: قال مالك - رحمه الله - ويؤدب من حلف بالطلاق أو بالعتاق.

هذا؛ وقد استند المالكية بما رواه ابن حبيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحلفوا بالطلاق والعتاق» فإنهما من أيمان الفساق.

قال في المقاصد الحسنة: حديث: الطلاق يمين الفساق، وقع في عدة من كتب المالكية، حتى في شرح الرسالة للفاكهاني، جازمين بعزوه للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق، فإنهما من يمين الفساق.... ولم أقف عليه، وأظنه مدرجا، فأوله وارد دونه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني