الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المسلم الذي يسكن في بلاد الكفر ولم يهاجر لبلاد الإسلام

السؤال

أود أن أعرف حكم مجهول الحال في بلاد النصارى وبلاد الكفار عموما، وهل حكمه متعلق بالبراءة من الكفار، لأنه يسكن بينهم ولا يخالفهم في الظاهر؟ وما حكم من يتوقف في هذا المجهول ولا يحكم عليه بكفر ولا إسلام حتى تتبين عقيدته؟ أفيدونا أفادكم الله وجزاكم عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان مراد السائل بمجهول الحال: من أخبر عن نفسه بأنه مسلم، أو نطق بالشهادتين، أو صلى صلاة المسلمين، ونحو ذلك مما يُحكم بإسلام صاحبه، ولم يظهر منه ناقض من نواقض الإسلام ـ فهذا ليس مجهول الحال بهذا المعنى، بل هو مسلم، والتوقف في الحكم بإسلام مثل هذا من البدع، وراجع الفتويين رقم: 122896، ورقم: 51110.

قال الماوردي في الحاوي الكبير: الإسلام فيعلم بأربعة أوجه:

أحدها: أن يعلم إسلام أحد أبويه أو كليهما قبل بلوغه فيحكم بإسلامه.

والثاني: أن يتلفظ بالشهادتين فيحكم بإسلامه.

والثالث: أن يرى مصليا في مساجدنا على قديم الوقت وحديثه فيحكم بإسلامه بظاهر الحال لا بالصلاة، لأننا لا نحكم بإسلام الكافر إذا صلى.

والرابع: أن يقول إنني مسلم فيحكم بإسلامه. اهـ.

وهنا ننبه على أن الشافعية يحكمون بإسلام الكافر إن صلى في دار الحرب دون دار الإسلام، وأما جمهور أهل العلم فلا يفرقون ويحكمون بالإسلام بالصلاة مطلقا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 188919.

وقال الدكتور عبد العزيز الأحمدي في أطروحته للدكتوراة ـ اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية: يسكن دار الكفر الحربية نوعان من الناس:

ـ الأول: الكفار وهم الأصل...
ـ الثاني: المسلمون.

والمسلم الذي يسكن في دار الكفر إما أن يكون مستأمناً أي دخل دارهم بإذنهم، وكانت بين دار الإسلام ودارهم عقود ومعاهدات، وعلاقات دولية، وإما أن لا يكون مستأمناً، أي دخل دارهم بدون إذنهم ورضاهم، وهو في كلتا الحالتين معصوم الدم والمال بالإسلام، حتى ولو لم يهاجر إلى دار الإسلام فهو عند الجمهور كأي مسلم من أهل دار الإسلام يعصم بإسلامه دمه وماله، ولو كان مقيماً في دار الكفر إقامة مؤبدة، وإذا أراد دخول دار الإسلام فله ذلك متى شاء ولا يمنع من دخولها، بينما يرى الحنفية أن المسلم المقيم في دار الكفر ولم يهاجر إلى دار الإسلام غير معصوم بالإسلام، لأن العصمة عندهم ليست بالإسلام وحده وإنما يعصم المسلم عندهم بعصمة الدار، ومنعة الإسلام المستمدة من قوة المسلمين وجماعتهم... وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح، فالمسلم بمجرد إسلامه عصم دمه وماله، في أي مكان في دار الإسلام أو في دار الكفر، وفي أي زمان، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ـ ففي هذا الحديث يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن من نطق بالشهادتين فهو معصوم الدم والمال، في أي وقت كان، وإن كان في دار الإسلام أو في دار كفر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني