الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القيمة المستحقة لمن اتجر بمال موكله وربح بدون علمه

السؤال

قبل ما يقارب من خمس سنوات أعطاني أحد الزملاء مبلغًا من المال, وقال لي: ادخل به سوق الأسهم, واشتر لي في شركتين - وحدد لي الشركتين - لكي يستثمر فيهما, فقمتُ بعد ذلك بالشراء في الشركتين, وبعد ذلك قمت بالمضاربة في الشركتين, وأخذت المكسب لي شخصيًا, وبعد فترة قال: بعِ الأسهم وأعطني قيمتها, علمًا أني لم أخبره بذلك, فما الحكم؟
وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصاحبك قد وكلك في شراء الأسهم له, ولم يأذن لك في بيعها والمضاربة بها - كما اتضح من السؤال - والوكيل لا يملك من التصرف إلا ما أذن له فيه, قال ابن قدامة في المغني: ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق, أو من جهة العرف؛ لأن تصرفه بالإذن فاختص بما أذن فيه. اهـ.
وبناء على ذلك فمضاربتك في الأسهم لنفسك دون إذن موكلك يعتبر في حكم الغصب, كما بينا في الفتوى رقم: 129595.

وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية أقوال العلماء في ذلك مع بيان الراجح فقال - رحمه الله -: المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء, ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمال وحده, أو يتصدقان به، أو يكون بينهما كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة... كما فعل عمر بن الخطاب لما أقرض أبو موسى الأشعري ابنيه من مال الفيء مائتي ألف درهم, وخصهما بها دون سائر المسلمين، ورأى عمر بن الخطاب أن ذلك محاباة لهما لا تجوز، وكان المال قد ربح ربحًا كثيرًا بلغ به المال ثمانمائة ألف درهم، فأمرهما أن يدفعا المال وربحه على بيت المال, وأنه لا شيء لهما من الربح لكونهما قبضا المال بغير حق، فقال له ابنه عبيد الله: إن هذا لا يحل لك، فإن المال لو خسر وتلف كان ذلك من ضماننا، فلماذا تجعل علينا الضمان ولا تجعل لنا الربح، فتوقف عمر، فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بينهم وبين المسلمين، لهما نصف الربح، وللمسلمين نصف الربح، فعمل عمر بذلك.

وهذا مما اعتمد عليه الفقهاء في المضاربة, وهو الذي استقر عليه قضاء عمر بن الخطاب, ووافقه عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو العدل، فإن النماء حصل بمال هذا, وعمل هذا, فلا يختص أحدهما بالربح, ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء، فإن الحق لهما لا يعدوهما، بل يجعل الربح بينهما كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة.

وعلى ما رجحه شيخ الإسلام فإن ما تستحق من ربح المال الذي أخذته بغير حق هو النصف فقط، أما النصف الباقي فإن الواجب دفعه إلى صاحبك.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني