الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل توجد أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم منسوخة حكمًا بأحاديث صحيحة أخرى، مع ذكر الأمثلة؟ علمًا أنني لا أقصد الأحاديث الضعيفة. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فتوجد أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة، وهي منسوخة بأحاديث أخرى صحيحة، من ذلك: حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجرّ إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجلنا الرجل"، فقال عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل يعجل عن امرأته، ولم يمنِ، ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء". رواه مسلم. أي: لا يجب عليه الغسل؛ حتى ينزل منه المني.

وهذا الحكم نسخ بما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب عليه الغسل. زاد مسلم: وإن لم ينزل.

وروى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل.

قال الإمام النووي -يرحمه الله-: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين. اهـ.

ومن ذلك حديث أو أحاديث إباحة نكاح المتعة، ففي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا، فأذن في المتعة.

وهناك أحاديث أخرى في إباحة نكاح المتعة، إلا أنها نسخت بأحاديث أخرى صحيحة وصريحة، منها: حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها. رواه مسلم.

قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة، فقال: إن ناسًا -أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم- يفتون بالمتعة، يُعَرِّض برجل، فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين -يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك، فوالله، لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.

قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر سيف الله أنه بينما هو جالس عند رجل، جاءه رجل، فاستفتاه في المتعة، فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلًا، قال: ما هي؟ والله، لقد فعلت في عهد إمام المتقين. قال ابن عمرة: إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها -كالميتة، والدم، ولحم الخنزير-، ثم أحكم الله الدِّين، ونهى عنها. رواه مسلم.

ولذا قال النووي -رحمه الله- مبوبًا على هذه الأحاديث: باب النكاح والمتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، ونقل عن المازري قوله: ثبت أن نكاح المتعة كان جائزًا في أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلّقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة، فلا دلالة لهم فيها.

وهناك أحاديث كثيرة صحيحة منسوخة بمثلها، يطول ذكرها.

وأما النسخ في القرآن، فقد فصلناه في الفتوى: 13919، فلتراجع للفائدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني