الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم كتابة بيت شعر يتضمن معنى غير شرعي في الامتحان

السؤال

سؤالي عن بيت شعري وهو: وطني لو شغلت بالخلد عنه* لنازعتني إليه في الخلد نفسي ـ كان أستاذ اللغة العربية قد قال لي يوما إن الخلد هي الجنة ويعني الشاعر أنه حتى لو شغل بالجنة عن وطنه لاشتاق إليه وهو فيها، وأن بعضهم انتقد هذا البيت، ثم دخلت امتحانا مهما في اللغة العربية ـ ضمن امتحانات الشهادة الثانوية التي تحدد مصيري ـ وفي التعبير لم أتذكر بيتا شعريا أدعم به موضوعي سوى هذا البيت، وفي البداية خفت أن أكتبه، ولكنني حاولت إقناع نفسي بأنه قد يكون هناك معنى آخر للبيت غير الذي ذكر، وأنه يمكن فهمه بطريقة أخرى بحيث لا يكون مشتملا على معان مخالفة للإسلام، فكتبته، والآن نادمة وخائفة من أن أكون قد كفرت، فما حكم ما فعلته؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذا البيت يحتوي على بعض المبالغة المذمومة في تقديس الأوطان التي قد تصل ببعض أصحابها إلى الشرك، كما قال الدكتور سلمان العودة: ومن ألوان الشرك أيضا: تقديس كثير من الناس لأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، فإننا نسمع اليوم من يتغنى ـ مثلا ـ بالعروبة كعرق أو جنسية ينتسبون إليها، ويعتبرون هذه العروبة دينا يدينون به، يقول شاعرهم:

آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثاني.

فيعتبرون العروبة دينا يدينون به وينتسبون إليه، ويدندنون حوله، وقبل أن يصرح الواحد منهم بما يدعيه من الإسلام يصرح بعروبته، بل قد لا يصرح بإسلامه، ولا يعتز بذلك، ومثل ذلك: تقديس الأوطان وتعظيمها، والموت من أجلها حتى أصبحت أوثانا، وليست أوطانا في الحقيقة، وليس هذا التعبير من عندي، بل إن هؤلاء الذين أصيبوا بلوثة هذه الوثنية عبروا بنفس التعبير، حتى يقول أحد الشعراء:

وطني لو صوروه لي وثنا لهممت ألثم ذلك الوثن.

وبكل أسف! حدثني بعض الشباب: أن هذه القصيدة كانت تغنى وتذاع من أجهزة الإعلام في أيام مضت في بلدان متعددة، ويقول آخر يخاطب وطنه:

ويا وطني لقيتك بعد يأس * كأني قد لقيت بك الشبابا

أدير إليك قبل البيت وجهي * إذا رمت الشهادة والمثابا.

كم هو محزن ـ أيها الإخوة ـ أن يكون مسلم يفوه بالشهادة وبالمثاب أي: يشهد أن لا إله إلا الله، يدير إلى وطنه وجهه قبل البيت الحرام، وهو نفسه يقول:

وطني لو شغلت بالخلد عنه * نازعتني إليه في الخلد نفسي

أي: في الجنة، فتقديس الوطن أو العرق والقومية، أو تقديس الأشخاص، وتعظيمهم، وإضفاء خصائص وصفات الألوهية عليهم، هو شرك بالله عز وجل. اهـ.

ولكن استشهادك به فيما يتعلق بامتحان العربية لا يحصل به الكفر، بل لا يعتبر خطأ، فكم نرى في كتب التفسير واللغة استشهادات بأشعار الشعراء الجاهليين، ولا نعلم أن أحدا كفرهم أو خطأهم بذلك الاستشهاد في المسائل اللغوية، ولا يحصل كذلك الكفر بما إذا كنت ذكرته في تعبير وكنت تظنين أن له معنى غير محظور في الشرع، لأن الردة هي شرح الصدر للكفر كما قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. { النحل:106}.

وقال الشوكاني رحمه الله: فلا بد ـ أي في الحكم بالكفر ـ من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه. انتهى.

ومن دخل في الإيمان بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، وقد ذكر أهل العلم أيضا أن من فعل ما يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتى والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي والحاكم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني