الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بالخلة وتكليم الله والتخلق بخلق الأنبياء.. الجائز والممنوع

السؤال

هل من الاعتداء في الدعاء إذا قلت مثلا: رب اجعلني على أخلاق الأنبياء، أو كلمني كما كلمت موسى، أو أنزل علي الملائكة، أو اتخذني خليلا كما فعلت مع إبراهيم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن قول الداعي: رب اجعلني على أخلاق الأنبياء ـ لا حرج فيه، وليس فيه اعتداء، فالمسلم مطلوب منه أن يجعل الأنبياء الأسوة الحسنة والقدوة الأولى في حياته، كما قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ {الأنعام:90}.

وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب:21}.

وقال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ {الممتحنة:4}.

فيقتدي بأخلاقهم ويتأدب بآدابهم.. ويسأل الله تعالى أن يرزقه اتباعهم والاقتداء بهم، ومرافقتهم في الجنة، أما أن يسأل منزلتهم، أو يسأل الخلة، أو يكلمه الله كما كلم موسى، أو ينزل عليه الملائكة، كما كانت تنزل على الأنبياء: فهذا من الاعتداء في الدعاء ومجاوزة الحد فيه المنهي عنها شرعا‘ إن لم يصل إلى أعظم من ذلك، فقد قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {الأعراف:55}.

ولمعرفة ماهية الاعتداء في الدعاء انظر الفتوى رقم: 23425.

فالخلة خاصة بنينا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم ـ عليه السلام ـ كما قال ابن القيّم في الجواب الكافي: الْخُلَّةُ: وَهِيَ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَنِهَايَتَهَا، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ سَعَةٌ لِغَيْرِ مَحْبُوبِهِ، وَهِيَ مَنْصِبٌ لَا يَقْبَلُ الْمُشَارَكَةَ بِوَجْهٍ مَا، وَهَذَا الْمَنْصِبُ خَاصٌّ لِلْخَلِيلَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا ـ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ ـ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا.
وكذلك سؤال الله أن يكلمه الله كما كلم موسى: فهو من الاعتداء ـ كما أشرنا ـ لأن كلام الله لموسى من خصائص الرسالة التي خصه الله بها واصطفاه على الناس، كما قال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي {الأعراف:144}.

وكما جاء في حديث الشفاعة:.. يا موسى، أنت رسول الله، فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس. الحديث متفق عليه.

وجاء في حاشية الدسوقي في معرض الكلام على الردة ـ أجارنا الله منها: كَذَا إذَا ادَّعَى مُجَالَسَةَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ مُكَالَمَتَهُ، فَهُوَ كَافِرٌ، كَمَا فِي الشِّفَاءِ.

الشاهد فيه: أن ادعاء مكالمة المولى سبحانه كفر، فسؤالها إذاً أقل أحواله أن يكون اعتداء في الدعاء، أما إذا كان الداعي يقصد بتكليم الله له إلهامه، كما يُلهم بعض عباده الصالحين، وكما يقع للمحدّثين والملهمين ـ وهو ما نستبعده من سياق السؤال ـ فالظاهر أن هذا لا حرج فيه، فقد جاء في كتاب النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية عند قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيَاً ـ قال: يتناول وحي الأنبياء، وغيرهم، كالمحدّثين الملهمين، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: قد كان في الأمم قبلكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أمتي أحدٌ فعمر منهم ـ وقال عبادة بن الصامت: رؤيا المؤمن كلامٌ يكلّم به الربّ عبده في منامه.. فهؤلاء المحدثون الملهمون المخاطبون يوحى إليهم هذا الحديث لذي هو لهم خطابٌ وإلهام وليسوا بأنبياء معصومين مصدّقين في كلّ ما يقع لهم، فإنه قد يوسوس لهم الشيطان بأشياء لا تكون من إيحاء الرب، بل من إيحاء الشيطان.

وكذلك إذا كان لا يقصد بنزول الملائكة نزولها بالوحي، أو بكلام الله، كما كانت تنزل على الأنبياء، وإنما يقصد نزولها على مجالس الذكر ومدارسة القرآن وليلة القدر.. فهذا لا حرج فيه، ولكن الظاهر أن السائل لا يسأل عن هذا، وإنما يسأل عن منزلة الأنبياء، وذلك لا يجوز ـ كما قلنا ـ لأن الوحي قد انقطع، والنبوة قد ختمت ببعثة آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وانظر لمزيد من الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 45972، 179925، 49055.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني