الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الوساطة بين صاحب مشروع ومن يموله مقابل نسبة ما

السؤال

أنا شاب، لدي فكرة مشروع.
وبينما كنت أقوم بالبحث على الإنترنت وجدت بعض المواقع (مثل http://www.kickstarter.com/) التي تمول المشاريع، غير أن طريقة التمويل تكون على النحو التالي:
- يقوم المترشح بوضع شرح مفصل لمشروعه.
- يقوم المترشح بتحديد كلفة المشروع.
- يقوم المترشح بتحديد نسب المساهمة الممكنة (مثلا: 5 دولارات ، 100 دولار، 200 دولار ، 250 دورلار ، 1000 دولار ،...) و تحديد ما سيقوم به مقابل كل مساهمة (5 دولارات = كلمة، أو بطاقة شكر ،100 دولار = نسخة من المنتج الذي سينتجه ،200 دولار = نسخة من المنتج الذي سينتجه مع ذكر اسم المساهم على جميع ما سينتجه، ...) غير أن هذا الشرط لا يلزمك تنفيذه.
- يقوم أشخاص من العالم ( لا تعرف ديانتهم - على الغالب غير مسلمين) بالاطلاع على المشاريع .
- يقوم الذين اقتنعوا بمشروعك، أو يريدون ذلك بالمساهمة فيه.
- إذا لم تبلغ المساهمات كلفة المشروع التي حددت من قبل صاحب المشروع، لا يقوم الموقع بتمرير الأموال له.
- إذا بلغت المساهمات كلفة المشروع التي حددت من قبل صاحب المشروع، يقوم الموقع بتمرير الأموال له، ولا يعود للمساهمين الحق في استرجاعها, ويأخذ الموقع نسبة منها (5 بالمئة أو غير ذلك).
- المساهمون لا يعدون شركاء في المشروع ( فمساهمتهم كأنها تبرع حسب فهمي والعلم عند الله)
سؤالي هو كالآتي: هل هذا التمويل حلال أم حرام، هل يعد صدقة أم هبة أم شيئا آخر وإذا كان صدقة أو هبة هل يجوز أخذه؟
أعتذر عن الإطالة ورحمكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنوصيك بمزيد التحري عن هذا التمويل وغاياته، وما يهدف إليه هؤلاء المساهمون حتى تكون على بينة من أمرك، وحتى يكون الحكم مطابقا للواقع، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وحسب ما ذكرت في سؤالك، فإن هذا التمويل من المساهمين يعد هبة ثواب، وهي أن يهب شخص لآخر هبة يرجو عوضها منه. ووجه ذلك أن المساهم يرجو من وراء ذلك بطاقة شكر، أو نسخة من المنتج، أو ذكر اسمه على المنتجات. وقد سبق الحديث عن هبة الثواب في الفتوى رقم: 188263 .

فإذا كان هناك شرط للثواب أو العوض كما ذكر في السؤال، فالواجب شرعا الوفاء بهذا الشرط، أو ترك المساهمة وإرجاعها إلى صاحبها؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: المسلمون عند شروطهم. رواه البخاري تعليقا، ورواه غيره موصولا.
وأما النسبة التي يأخذها الموقع، فهي عمولة وساطة أو سمسرة، وهي جائزة من حيث الأصل. وأما كون العمولة نسبة من تكلفة المشروع، فحيث كانت التكلفة معروفة ومحددة، فلا يضر كون العمولة نسبة منها؛ لأنها تكون معلومة أيضا. وإنما اختلف فيما إذا كانت نسبة من مجهول، فبعض العلماء يرى أنه لا حرج في ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: وإن كان العوض مما يحصل من العمل، جاز أن يكون جزءاً شائعاً؛ كما لو قال الأمير في الغزو: من دلنا على حصن كذا، فله منه كذا. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني: ولا بد أن يكون العوض معلوماً، ويحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم، نحو أن يقول: من رد عبدي الآبق فله نصفه، ومن رد ضالتي فله ثلثها. انتهى.

وبناء عليه، فعلى القول بالجواز فلا بأس في الدخول في مشاريع تمول بهذه الطريقة، وإن كان الأحوط ترك ذلك خروجا من الخلاف المشار إليه.
وأخيرا لم يتضح من السؤال مصير المساهمات التي لم تبلغ كلفة المشروع ولم يسمح الموقع بتمريرها، فإن كان الموقع يردها إلى المساهمين فلا إشكال، وأما إن كان الموقع يستولي عليها، فهذا من الميسر وأكل أموال الناس بالباطل، وحينئذ لا يجوز الانتفاع بتمويل يدار بهذه الطريقة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني