الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الموافقة على إمضاء الوصية

السؤال

أنا ولد ولي أختان، توفي والدي منذ 17 عاما، وترك لنا شقتين: الأولى تمليك، نعيش فيها. والثانية إيجار فارغة، وكانت وصيته (الشفهية بشهادة الورثة وموافقتهم) أن لي شقة واحدة من الاثنتين لأتزوج فيها، ولكن لم يحدد. باعت أمي الأولى بـ 30 ألفا، وزادت عليها من مالها الخاص واشترت منزلا باسمها نعيش فيه، وأعطت كل أخت 7 آلاف ولم آخذ أنا شيئا (بافتراض أن الشقة الأخرى لي ). أما الثانية الإيجار فلقد دفعت أنا من مالي الخاص 30 ألفا وتملكتها باسمي منذ 7 سنوات.
السؤال: هل لإخوتي نصيب في ثمن الشقة الثانية لو بعتها، مع العلم أن ثمنها حوالي 130 ألفا وهم يطالبون بذلك؟
الرجاء الإفادة أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فوصية والدك بأن تكون إحدى الشقتين لك، وصية لا عبرة بها؛ لأنها وصية لوارث، وهي ليست واجبة النفاذ، وإنما يتوقف نفاذها على رضا بقية الورثة، ويشترط لصحة رضاهم أن يكونوا بالغين، رشداء فمن كان صغيرا، أو كبيرا غير رشيد فإنه لا عبرة برضاه، ويُحفظ له حقه من الشقة إلى أن يصير بالغا رشيدا؛ وانظر الفتوى رقم: 121878، والفتوى رقم: 170967وكلاهما عن الوصية للوارث.
وقولك " بموافقتهم " إن كنت تعني أنهم وافقوا على إمضاء الوصية في حياة أبيك، فإن هذه الموافقة التي تمت في حياة أبيك ليست ملزمة لهم بعد مماته؛ لأنه إسقاط حق قبل وجوبه، ولهم الحق بعد مماته أن يطالبوا بحقهم في الشقة، كما لك الحق أيضا أن تطالب بحقك في الشقة التي باعتها والدتك ولم تعطك من ثمنها شيئا. وأما إن تمت موافقتهم بعد مماته، فإن الشقة تصير لك، وليس لهم الحق في المطالبة بشيء منها؛ لأنها وصية أمضوها فصارت ملكا لك بإمضائهم، ولا يشترط فيها القبض, وقال بعض الفقهاء بل يُشترط فيها القبض، فإذا لم تقبضها فلهم الرجوع في الإجازة؛ لأنها هبة.

جاء في الموسوعة الفقهية: تَكْيِيفُ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَكْيِيفِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تَنْفِيذًا لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي، أَوْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ قِبَل الْمُجِيزِينَ، عَلَى قَوْلَيْنِ . فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ كُل مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَل الْمُوصِي؛ لأِنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنَ الْمُوصِي، وَالإْجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقَبْضِ, فَصَارَ كَالْمُرْتَهِنِ إِذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إنَّهَا عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ قِبَل الْوَارِثِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ. اهــ.

ومن المهم أن تعلم أن مثل هذه المسائل التي فيها خلاف بين الورثة وتنازع، لا ينبغي أن يُكتفى فيها بفتوى كتبت طبقا لسؤال من أحد المتنازعين، بل ينبغي رفعها إلى المحكمة الشرعية -إن كانت- أو مشافهة من يصلح للقضاء من أهل العلم بها حتى يتم سماع جميع الأطراف وحججهم، وعندها سيتبين الحق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: يَا عَلِيُّ؛ إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ. رواه أحمد.

فإذا كان واقع الحال ما ذكرت من أن أخواتك يطالبن بنصيبهن من الشقة، فارفع الأمر إلى المحكمة الشرعية حتى تنظر في القضية من جميع جوانبها ولا تكتف بهذا الجواب .

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني