الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السؤال

الحمد لله، منَّ الله عليَّ بأني أستطيع الانتباه لما هو مخالف للشرع، فعندما أكون في بيتي وأرى الكثير من المنكرات، أستمر طوال اليوم: "لا يصح هذا" لا تقل هذا" "لا تفعل هذا" "هذا خطأ".
فهل هذا الأسلوب منفر بشكل أو آخر بحيث إنه ليس في زماننا من عنده قابلية للنصح، فإذا استمريت بهذا الشكل سيصبح عنده كره لي، خاصةً وهم أهل بيتي فما بالك بغيرهم؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي بصرك بشرعه، وعرفك بمواطن المنكر من المعروف من أمره، لتقوم بواجبك الشرعي في الأمر والنهي، خاصة بين أهل بيتك، فإن من شرط المنكر العلم بكون ما ينكره الإنسان محظورا شرعا كما قررناه في شروط الإنكار في الفتوى رقم: 130218 .
أما تقريع الآذان صباح مساء ببيان المنكرات، فظاهر من سؤالك أنه لم يجد نفعا، ولم يغير واقعا فاسدا، وهذا يدفعك إلى تلمس سبيل آخر في تحقيق مراد الشرع ألا وهو إزالة المنكر وتقليله لا مجرد الإنكار اللساني، كما قال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرا فليغيره. رواه مسلم. فإذا أدى الإنكار اللساني بهذه الصورة إلى مفسدة أعظم كبغض الشرع، وترك الواجبات ناهيك عن تماديهم في المنكر وإصرارهم عليه، كان هذا الإنكار منكرا، ولزمك تغيير طريقة الإنكار.

قال الإمام النووي في الأذكار: فيجب على الإنسان النصيحة، والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكل صغير وكبير، إذا لم يغلب على ظنه ترتب مفسدة على وعظه. اهـ

قال صاحب معالم القربة: وَلْيَكُنْ شِيمَته الرِّفْق، ولين الْقَوْل، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَسُهُولَةُ الْأَخْلَاقِ عِنْدَ أَمْرِهِ النَّاسَ، وَنَهْيِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] وَلِأَنَّ الْإِغْلَاظَ فِي الزَّجْرِ رُبَّمَا أَغْرَى بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْنِيفُ بِالْمَوْعِظَةِ يُنَفِّرُ الْقُلُوبَ. اهـ
وإذا أردت أن تعرف إن كان أسلوبك منفرا أم لا؟ فانظر إلى أثره فيهم، وانظر إلى نفسك لو كانت مكانهم وأنكر عليك بهذه الطريقة ؛ ولذلك كان من السياسية الشرعية الدعوية أن يعالج المربي، أو الداعية، أو الأب المرض لا العرض. فإذا ربيت ولدك، وأهل بيتك على الخوف من الله، والاستعداد ليوم الحساب، وشكر نعم الله بعدم استعمالها في معصيته، فقد عالجت الداء. وأما إذا أنكرت بعض المنكرات الظاهرة مع استحكام حبها في قلب المدعو ودون طرح بدائل شرعية، ودون تحبب إليهم وترغيب، فسينشأ مائلا إليها مستترا بها يتحين الفرصة ليواقعها، وقد يبغضه الشيطان بالدين والمتدينين أيضا، وما أكثر ما نرى من انحراف الذرية مع استقامة الوالدين لهذا السبب. ومن أنفع وسائل الأمر بالمعروف لرب البيت هو القدوة الصالحة وحسن الخلق.

قال الحسن البصري- رحمه الله تعالى-: إذا كنت ممن يأمر بالمعروف، فكن من آخذ الناس به وإلا هلكت.

وقد عرضنا طائفة من الأساليب النافعة وضوابط الإنكار الشرعية في الفتوى رقم: 36372

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني