الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح للبعد عن المعاصي

السؤال

عندي ذنب أقع فيه منذ أكثر من عامين، وكل ما أقع فيه أتوب منه، ثم بعد يوم أو يومين، أو أسبوع أو أسبوعين، أو شهر أو شهرين أقع فيه ـ والحمد لله ـ أواظب على الطاعات والسنن، لكن مشكلتي أنني ساعة الوقوع في الذنب أنسى نفسي وأتمادى فيه لمجرد الشعور بالرغبة فيه، لأن الشيطان يقول لي لن تصمد، وإن صمدت مرة فلن تصمد في الثانية، وإن صمدت في الثانية فلن تصمد حين تذهب إلى بلادك حيث الفتن والإغراءات، فعزيمتي محبطة من مجاهدة النفس، ولا أعرف كيف أجاهدها، وحينما يعرض لي الذنب أنسى العهود والتوبة والعبادات، أخاف من الآخرة، فماذا أصنع؟ وأخاف من الحديث: كما تدين تدان ـ وقد تسببت في إيذاء فتيات بريئات ولا أعرف كيف أتحلل من ذلك؟ أريد أن أكون من أهل الصلاح والإصلاح، أتمنى إفادة بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يمن عليك بالتوبة والهداية، واعلم أن الله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}.

والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.

والعبد إذا تاب فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيما، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.

فاستعن بالله عز وجل، وتضرع إليه أن ينزع من قلبك حب هذه المعصية، وأن يصرفك عنها، واسأله سبحانه أن يثبتك على دينه، فإن القلوب بين إصبعين من أصابعه تعالى يقلبها كيف يشاء، وحافظ على الفرائض، وخاصة الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، فإنها تحجز عن الوقوع فيما لا يرضي الله، كما قال سبحانه: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45}.

وإذا استحضرت ضرر المعصية وشؤم عاقبتها في دينك ودنياك وآخرتك هان عليك تركها، قال ابن القيم: فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولا بد، وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح؟... وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟. اهـ.

وقال: قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر وإضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ومنع إجابة الدعاء وقسوة القلب ومحق البركة في الرزق والعمر وحرمان العلم ولباس الذل وإهانة العدو وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار. اهـ.

ولتتخذ رفقة صالحة يذكرونك إن غفلت، ويعينوك إن ذكرت، وتجاف عن رفقاء السوء، فالمرء يقتدي بخلانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. أخرجه أبو داود، وصحح إسناده النووي.

ومما يعينك على ترك المعصية الإكثار من قراءة القرآن العظيم وتدبره، فإنه أعظم شفاء لأدواء القلب، وكذلك ملازمة ذكر الله والاجتهاد في نوافل العبادات، وسماع الأشرطة النافعة في باب الوعظ والرقاق، وقراءة الكتب النافعة في هذا الباب، والتفكر في أسماء الرب وصفاته، وفي الموت وما بعده من الأهوال العظام والأمور الجسام، واستحضار اطلاع الله على العبد ومراقبته له وإحاطته به وأنه لا يخفى عليه شيء من أمره فيستحيي العبد أن يبارز ربه بالمعصية وهو ناظر إليه مطلع عليه، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 5450، ورقم: 66163.

أما مقولة: كما تدين تدان ـ فهي مروية في أحاديث ضعيفة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 75710.

وراجع في سبل التحلل من المظالم الفتوى رقم: 139161.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني