الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أيد الظلمة في أفعالهم ورضي بها

السؤال

ما حكم من قتل الآلاف من المسلمين وحرق المساجد وحاصرها وأطلق الرصاص عليها وحرق وأهان القرآن وأعلن مجاهرًا علنًا أمام الناس أنه مع ويؤيد ويدعم كل ما لا يرضي الله؟ وما حكم من أيده من جاهل أو عالم؟ أنا أعتبره كافرا صرفا، فإن لم يكن هذا كافرا مرتدا فمن يكون الكافر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه الأعمال الفظيعة والأفعال الشنيعة، بعضها جور وظلم وإجرام وإفساد، وبعضها كفر، وبعضها يكون حكمه بحسب الحامل عليه، فمن الأول: قتل المسلمين الأبرياء، ومن الثاني: قصد إهانة القرآن المجيد، ومن الثالث: حرق المساجد وحصارها، فإن ذلك إن حصل لكونها من بيوت الله تعالى وأماكن للعبادة، أو على سبيل الإهانة وعدم الحرمة، فهذا كفر ـ والعياذ بالله ـ بخلاف ما إذا كان لخصومة وعداوة أو محاربة مع أهلها، كحصار الحجاج الثقفي لبيت الله الحرام ورميه بالمنجنيق، بسبب الحرب التي وقعت بينه وبين عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ فقد فعل ما فعل وهو يعتقد حرمة البيت الحرام!! قال القرطبي في تفسيره عند الكلام على سبب تسمية الكعبة بالبيت العتيق، لأنه لم يظهر عليه جبار: فإن ذكر ذاكر الحجاج بن يوسف ونصبه المنجنيق على الكعبة حتى كسرها! قيل له: إنما أعتقها عن كفار الجبابرة، لأنهم إذا أتوا بأنفسهم متمردين ولحرمة البيت غير معتقدين، وقصدوا الكعبة بالسوء فعصمت منهم ولم تنلها أيديهم، كان ذلك دلالة على أن الله عز وجل صرفهم عنها قسرا، فأما المسلمون الذين اعتقدوا حرمتها، فإنهم إن كفوا عنها لم يكن في ذلك من الدلالة على منزلتها عند الله مثل ما يكون منها في كف الأعداء... اهـ.

وقال إسماعيل حقي في روح البيان: وما روي أن الحجاج حبس عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ في المسجد الحرام وضرب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به داخل المسجد وقتل عبد الله، فليس ذلك إضرارا بالبيت وقصدا بالسوء، لأن مقصود الحجاج كان أخذ عبد الله. اهـ.

وقال في موضع آخر: الحجاج لم يجئ لهدم الكعبة ولا لتخريبها ولم يقصد ذلك، وإنما قصد التضييق على عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ ليسلم نفسه. اهـ.

وأما من أيَّد أمثال هؤلاء على ظلمهم، ودعمهم في جورهم، بل من رضي بذلك منهم وإن لم يدعمهم، فإن له مثل حكمهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض، فمن شهدها فكرهها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

قال العظيم آبادي في عون المعبود: أي في المشاركة في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. اهـ.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم.

قال السيوطي في الديباج: أي هو المؤاخذ المعاقب. اهـ.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: من ضعف لزمه التغيير بقلبه، فإن لم يغير بقلبه فقد رضي وتابع. اهـ.

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط عن أحد في حال من الأحوال. اهـ.

وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 192221.

وأخيرا ننبه على أن الحكم بالكفر ليس بالأمر الهين، ولابد من ضبط ذلك بالضوابط الشرعية لا بالعواطف الإنسانية والأذواق البشرية، وقد سبق لنا بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول بالشك، فراجع الفتويين رقم: 721، ورقم: 53835.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني