الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إجارة المسلم نفسه للكافر.. حالات المنع والإباحة

السؤال

أعمل مع شركة تنظيف آلات النجارة في مصانع الخشب في كندا, وعملي هو تنظيف آلات النجارة من الغبار بأنابيب الهواء وتنظيف أرضية المصنع من النجارة المبعثرة على الأرض داخل المصنع وخارجه وأرميها ـ Mainetnanceـ وأحيانا نقوم بحفر حفر لكي يمرروا أنابيب الغاز وأشياء أخرى، فهل عملي يعتبر مذلة وإهانة، لأنني أعمل في تنظيف آلات النجارة وأرضية المصنع عند الكفار؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن إجارة المسلم نفسه للكافر في غير الخدمة الشخصية له جائزة عند عامة العلماء من حيث الأصل، قال ابن قدامة في المغني: ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته، نص عليه أحمد، في رواية الأثرم، فقال: إن آجر نفسه من الذمي في خدمته لم يجز، وإن كان في عمل شيء، جاز، وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر: تجوز، لأنه تجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة، فجاز فيها، كإجارته من المسلم، ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر، وإذلاله له، واستخدامه أشبه البيع يحققه أن عقد الإجارة للخدمة يتعين فيه حبسه مدة الإجارة واستخدامه، والبيع لا يتعين فيه ذلك، فإذا منع منه، فلأن يمنع من الإجارة أولى، فأما إن آجر نفسه منه في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب، وقصارته، جاز بغير خلاف نعلمه، لأن عليا ـ رضي الله عنه ـ آجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلم ينكره، وكذلك الأنصاري، ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم، ولا استخدامه، أشبه مبايعته، وإن آجر نفسه منه لعمل غير الخدمة مدة معلومة، جاز أيضا في ظاهر كلام أحمد، لقوله في رواية الأثرم: وإن كان في عمل شيء جاز، ونقل عنه أحمد بن سعيد: لا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي، وهذا مطلق في نوعي الإجارة، وذكر بعض أصحابنا، أن ظاهر كلام أحمد منع ذلك، وأشار إلى ما رواه الأثرم، واحتج بأنه عقد يتضمن حبس المسلم، أشبه البيع، والصحيح ما ذكرنا، وكلام أحمد إنما يدل على خلاف ما قاله، فإنه خص المنع بالإجارة للخدمة، وأجاز إجارته للعمل، وهذا إجارة للعمل، ويفارق البيع، فإن فيه إثبات الملك على المسلم، ويفارق إجارته للخدمة، لتضمنها الإذلال. اهـ.

فليس كل عمل دنيء يعتبر إذلالا يمنع المسلم من الإجارة عليه للكافر، وإنما الذي منعه بعض العلماء لما فيه من الإذلال هو العمل في الخدمة الشخصية للكافر، وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم من يشتغل عند شخص غير مسلم؟ هذه النقود التي يقبضها من عنده هل هي حلال أم حرام؟ فأجابت: تأجير المسلم نفسه للكافر لا بأس به إذا كان العمل الذي يقوم به مباحا: كبناء جدار أو بيع سلعة مباحة أو ما أشبه ذلك من الأعمال المباحة، لأن عليا ـ رضي الله عنه ـ أجر نفسه ليهودي بتمرات على نضح الماء له من البئر، فعن ابن عباس رضي الله عنه: أن عليا ـ رضي الله عنه ـ أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة ـ أخرجه البيهقي وابن ماجه. اهـ.

فعملك الذي وصفته في هذه الشركة مباح، وليس فيه ما يوجب تحريمه، وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 29125، 15840، 75760.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني