الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التسوية بين الولاد في النفقات الواجبة وغير الواجبة

السؤال

فإنه مما أظن أن نفقات الأب على أبنائه تنقسم إلى قسمين: الأول: النفقات الواجبة, وتشمل المأكل, والملبس, والسكن, والزواج, وما تعسرت الحياة بدونه للابن الفقير, والثاني: النفقات غير الواجبة, وهي ما عدا ذلك من المصروفات, أو الهدايا التي قد تشمل توفير سكن مؤقت للابن المتزوج, مع قدرة الابن على أن يعتمد على نفسه, أو تعليم الابن حسب رغبته بتكاليف كبيرة, فباعتبار أن كل النفقات غير الواجبة هي نحلة ينحلها الأب لابنه, فهل يجب عليه أن يعطي كل ابن من أبنائه مثل ذلك؛ حتى الأبناء الذين ولدوا بعد أن تمت تلك النحلة, أو أن ذلك العطاء خارج عن النفقات الواجبة؟ وفي باب النفقات الواجبة: هل يجوز للأب أن يخص الأبناء الصغار الذين لم يصل بهم العمر لأن يحتاجوا هذه النفقات الواجبة - كنفقة الزواج للابن الفقير, أو غيرها من النفقات الواجبة - بمبلغ من المال, أو ما يعادله من عقار, كمساعدة لهم في حال لم يمتد العمر بالأب أن ينفقها عليهم بنفسه؟ وفي حال جواز أن يخص الأبناء الذين لم ينالهم العطاء في باب النفقات الواجبة, والنفقات غير الواجبة, فكيف يكون نصيب البنت؟ هل تأخذ نصف حظ الذكر في النفقات غير الواجبة, أم تعطى مثله؟ وهل تأخذ حسب حاجتها فقط في باب النفقات الواجبة, فلا تعطى ما لا تحتاجه, كتزويج الابن الفقير؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح عندنا أن العدل بين الأولاد في العطايا والهبات واجب، إلا أن تكون لبعض الأولاد حاجة خاصة تقتضي تفضيله بقدر حاجته.

فإن أعطى الأب بعض ولده شيئًا زائدًا عن النفقة بالمعروف: فالواجب عليه التسوية بين الأولاد، قال البهوتي في كشاف القناع: فائدة: نص أحمد في رواية صالح, وعبد الله, وحنبل فيمن له أولاد زوج بعض بناته فجهزها, وأعطاها, قال: يعطي جميع ولده مثل ما أعطاها, وعن جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل له ولد يزوج الكبير, وينفق عليه, ويعطيه, قال: ينبغي له أن يعطيهم كلهم مثل ما أعطاه, أو يمنحهم مثل ذلك. اهـ
والتسوية تكون إما برد ما أعطاه للولد، أو بهبة سائر الأولاد مثله، قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم بعطيته, أو فاضل بينهم فيها إثم, ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض, وإما إتمام نصيب الآخر.

ولا فرق في ذلك بين الولد الكبير والصغير، فإذا أعطى للكبير زيادة على النفقة الواجبة في الزواج, أو غيره: فعليه أن يعطي لباقي الأولاد مثل تلك الزيادة فقط.

أما نفقات الزواج: فلا يعطيها لهم إلا عند حاجتهم.

وأما أن يوصي لأولاده الذين لم يتزوجوا، فهذا غير جائز، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع على زاد المستقنع: ولو احتاج أحدهم إلى تزويج, والآخر لا يحتاج، فالعدل أن يعطي من يحتاج إلى التزويج, ولا يعطي الآخر؛ ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج، ويكون له أولاد صغار، فيكتب في وصيته: إني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا، أن يُزَوج كل واحد منهم من الثلث، فهذا لا يجوز؛ لأن التزويج من باب دفع الحاجات، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج، فالوصية لهم حرام، ولا يجوز للورثة ـ أيضًا ـ أن ينفذوها إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك، فلا بأس بالنسبة لحقه من التركة. اهـ

ومن ولد له من الأولاد بعد العطية: ففي وجوب تسويته خلاف، قال المرداوي الحنبلي - رحمه الله - في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف عند كلامه على قسم الأب ماله في حياته: فلو حدث له ولد سوى بينهم ندبًا, قال في الفروع: وقدمه بعضهم, وقيل: وجوبًا.

وأما عن كيفية التسوية في العطية بين الذكر والأنثى: فقد اختلف أهل العلم فيها, والراجح عندنا أنها تكون بإعطاء الذكر مثل حظ الأنثى، وانظر الفتوى رقم: 6242.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني