الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من ادعى العصمة لغير الأنبياء

السؤال

متى يكون ادعاء العصمة لشخص كفرا أكبر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئاً قد نسخ، فهم معصومون في التبليغ عن رب العزة سبحانه وتعالى، ولا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {المائدة:67}. وهم معصومون أيضا من الوقوع في الكبائر، وأما الصغائر فأكثر علماء الإسلام على أنهم ليسوا بمعصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يقرون عليها.
قال ابن تيمية: القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير، والحديث، والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف، والأئمة، والصحابة، والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. اهـ.

وقد قدمنا بالفتوى رقم: 31507 أنه لا إثم -إن شاء الله تعالى- على من اعتقد عصمتهم من الصغائر، لوجود من يرى ذلك من العلماء؛ ولأن المسألة محل نزاع وأخذ وردٍّ بين أهل العلم.

وأما من سواهم من الناس، فإن اعتقاد عصمتهم غلو مذموم، فلا يجوز اعتقاد ما لم يقم الدليل عليه من نصوص الوحي.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأولياء وإن كان فيهم محدثون كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر. فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين في هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو الصديق، فالمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى، فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة، فإنه ليس بمعصوم كما قال أبو الحسن الشاذلي: قد ضمنت لنا العصمة فيما جاء به الكتاب والسنة، ولم تضمن لنا العصمة في الكشوف والإلهام. ولهذا كان عمر بن الخطاب وقافا عند كتاب الله، وكان أبو بكر الصديق يبين له أشياء تخالف ما يقع له، كما بين له يوم الحديبية، ويوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم قتال ما نعي الزكاة وغير ذلك، وكان عمر يشاور الصحابة فتارة يرجع إليهم، وتارة يرجعون إليه.. وكان يأخذ بعض السنة عمن هو دونه في قضايا متعددة، وكان يقول القول فيقال له: أصبت، فيقول: والله ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأه، فإذا كان هذا إمام المحدثين، فكل ذي قلب يحدثه قلبه عن ربه إلى يوم القيامة هو دون عمر، فليس فيهم معصوم، بل الخطأ يجوز عليهم كلهم، وإن كان طائفة تدعي أن الولي محفوظ، وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة، والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا، فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع، ولهذا اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وقد سئل شيخ الإسلام عمن ادعى العصمة في العبيديين فقال: أما القول بأنهم كانوا معصومين من الذنوب والخطأ, كما يدعيه الرافضة في الاثني عشرة، فهذا القول شر من قول الرافضة بكثير; فإن الرافضة ادعت ذلك فيمن لا شك في إيمانه وتقواه, بل فيمن لا يشك أنه من أهل الجنة: كعلي, والحسن, والحسين رضي الله عنهم. ومع هذا فقد اتفق أهل العلم والإيمان على أن هذا القول من أفسد الأقوال; وأنه من أقوال أهل الإفك والبهتان; فإن العصمة في ذلك ليست لغير الأنبياء عليهم السلام. بل كل من سوى الأنبياء يؤخذ من قوله ويترك, ولا تجب طاعة من سوى الأنبياء والرسل في كل ما يقول, ولا يجب على الخلق اتباعه والإيمان به في كل ما يأمر به ويخبر به, ولا تكون مخالفته في ذلك كفرا; بخلاف الأنبياء; بل إذا خالفه غيره من نظرائه وجب على المجتهد النظر في قوليهما, وأيهما كان أشبه بالكتاب والسنة تابعه, كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }. فأمر عند التنازع بالرد إلى الله وإلى الرسول; إذ المعصوم لا يقول إلا حقا. ومن علم أنه قال الحق في موارد النزاع وجب اتباعه, كما لو ذكر آية من كتاب الله تعالى, أو حديثا ثابتا عن رسول الله يقصد به قطع النزاع. أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول، فليس بصحيح; بل هذه المرتبة هي مرتبة الرسول, التي لا تصلح إلا له .... اهـ.

فكل هذا يبين خطأ معتقد العصمة فيمن دون الرسل، وأما التكفير فمختلف فيه، وعليه فلا يجزم بكفره.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية: ومن ادعى العصمة لأحد في كل ما يقوله بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ضال، وفي تكفيره نزاع وتفصيل. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني