الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رجوع الأب فيما أنفقه على أولاده إذا كانت لهم منحة من الدولة

السؤال

منذ سنتين قمنا بشراء منزل والدي، ولي فيه جزء من ميراث أبي ووهبت لي أمي نصيبها من المنزل، ونحن ثلاث بنات، وتوفي أبونا فصار لي سبعة عشر جزءا من مجموع أربعة وعشرين، ولزوجي سبعة أجزاء من أربعة وعشرين، وبما أن المال كان بيننا اقترحت عليه أن تكون القسمة بالتناصف بيني وبينه لكنه رفض وقال لي هذا حقك وكان راضيا في ذلك الوقت عن القسمة والبيع، والآن يريد أن يسترجع نصيب واحدة من أخواتي فيصبح له الثلثان ولي الثلث، ويقول لي إن المال ماله وليس مالي، مع العلم أن مالي مصدره منحة دراستي ومنحة للأطفال تعطيني الدولة الكندية هذا المال باسمي وللأولاد، فقال إن مال الأولاد يرجع له، لأنه ينفق عليهم من ماله وكان لا يأخذ هذه المنحة برضاه ولم يقل لي يوما إنه يريد أخذها، بل كنت دائما أدخرها وأعلم أن من واجبه الإنفاق عليهم، لأنه يستطيع ذلك، وليس له أخذها وليس له أيضا أخذ منحتي المدرسية، لأنها مالي، مع العلم أنه غضب وطلب ذلك، لأنني أردت استرجاع مالي في المنحة المدرسية، وقد كنت أنفق على البيت وكان معسرا، والآن أصبح موسرا فأردت مالي بناء على فتواكم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي ينبغي أن يعلم في البداية أن أمر الخصومات في الحقوق المشتركة أمر شائك، وبالتالي فلا بد من رفعه للمحاكم الشرعية أو ما ينوب منابها، للنظر في الدعاوى والبينات وإيصال الحقوق لذويها، ولا يمكن الاكتفاء في مثل هذه الأمور بمجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، ولذا فإننا سنكتفي ببيان بعض الأمور المعتبرة في هذا الموضوع من خلال النقاط الآتية:
أولا: ما دامت هذه المنحة قد أعطتها الدولة للأطفال فهي ملكهم، ولكن هل يجوز للأب أن يأخذها منهم لشراء بيت أو جزء منه؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد لا يأخذ من مال ولده شيئا إلا إذا احتاج إليه... وذهب الحنابلة إلى أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:

أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.

الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه ولده الآخر. انتهى.

ولأن القضية فيها منازعات وخصومات فالمرد في ذلك للقضاء الشرعي ليفصل في ذلك.

ثانيا: الهبة الدراسية التي تمنحها لك الدولة هي من ملكك وتتصرفين فيها كما شئت، وليس من حق الزوج الانتفاع بها إلا برضاك.
ثالثا: ما ذكرته من علمك أن زوجك من واجبه الإنفاق على الأولاد، لأنه يستطيع ذلك وليس له أخذ المنحة، فهو ليس كما ذكرت، بل للأب الرجوع فيما أنفقه عليهم إذا كانوا وقت النفقة عليهم لهم مال يكتفون به عن النفقة، لكن شرط بعض أهل العلم للرجوع أن يكون من عادة الناس أن الآباء يرجعون على أولادهم فيما أنفقوه عليهم حال كونهم لهم مال يكتفون به عن النفقة، قال أبو الحسن التسولي في كتابه: البهجة في شرح التحفة عند قول ابن عاصم في نظمه:
وَإنْ أبٌ مِنْ مالِهِ قَدْ أنْفَقَا عَلَى ابْنِهِ في حَجْرِهِ تَرَفّقَا
وإن أب من ماله قد أنفقا على ابنه الصغير وله مال وقت الإنفاق حال كون الابن في حجره ترفقا: أي على وجه الترفق فهو راجع لقوله في حجره لا للإنفاق، لأنه لو أنفق عليه ترفقاً لم يكن له عليه رجوع..
فَجَائِزٌ رُجُوعُهُ في الحَالِ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ اكْتِسَابِ المَالِ
فجائز رجوعه في الحال أي حال قيامه عليه من حين اكتساب المال بإرث أو هبة أو وصية، ومفهومه أن ما أنفقه عليه قبل كسبه المال لا رجوع له به عليه وهو كذلك، لأن نفقته حينئذ واجبة على أبيه، قال في المدونة: يلزم الأب نفقة أولاده الذكور حتى يحتلموا والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن إلا أن يكون للصبي كسب أي عمل يد يستغني به أو مال ينفق عليه منه ـ ومحل رجوع الأب على ولده إذا كانت عادة الآباء الرجوع بالنفقة على أولادهم كما تقدم عن السيوري في النفقة، وظاهره أنه لا يمين على الأب أنه أنفق ليرجع وهو كذلك. انتهى.

رابعا: أن تفضيل أمك لك بأن وهبتك نصيبها من البيت دون أختيك إذا لم يكن له مسوغ شرعي فإنه لا يجوز، لحديث: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.

قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: وَالْأُمُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ كَالْأَبِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا اللَّهِ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ـ وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، فَمُنِعَتْ التَّفْضِيلَ كَالْأَبِ، وَلِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِتَخْصِيصِ الْأَبِ بَعْضَ وَلَدِهِ مِنْ الْحَسَدِ وَالْعَدَاوَةِ، يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي تَخْصِيصِ الْأُمِّ بَعْضَ وَلَدِهَا، فَثَبَتَ لَهَا مِثْلُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 33348، 93129، 15504.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني